للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ ظُهُورُ ذَلِكَ الْمَقَامِ فِي مَقَامَاتٍ سِتَّةٍ: الْمَقَامُ الْأَوَّلُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاتَ، وَلَمْ تَكُنْ مُصِيبَةٌ أَعْظَمُ مِنْهَا، وَلَا تَكُونُ أَبَدًا عَنْهَا تَفَرَّعَتْ مَصَائِبُنَا، وَمِنْ أَجْلِهَا فَسَدَتْ أَحْوَالُنَا، فَاخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ؛ فَأَمَّا عَلِيٌّ فَاسْتَخْفَى. وَأَمَّا عُثْمَانُ فَبُهِتَ.

وَأَمَّا عُمَرُ فَاخْتَلَطَ، وَقَالَ: " مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا وَاعَدَهُ اللَّهُ كَمَا وَاعَدَ مُوسَى، وَلَيَرْجِعَنَّ رَسُولُ اللَّهِ فَلَيُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَ أُنَاسٍ وَأَرْجُلَهُمْ " وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ غَائِبًا بِمَنْزِلِهِ بِالسُّنْحِ، فَجَاءَ فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، وَهُوَ مَيِّتٌ مُسَجًّى بِثَوْبِهِ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَالَ: " بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا، أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْك فَقَدْ مُتَّهَا ". وَخَرَجَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ؛ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ " ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: ١٤٤].

الْمَقَامُ الثَّانِي: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاخْتَلَفَ النَّاسُ أَيْنَ يُدْفَنُ؛ فَقَالَ الْقَوْمُ: يُدْفَنُ بِمَكَّةَ.

وَقَالَ آخَرُونَ: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ.

وَقَالَ آخَرُونَ: بِالْمَدِينَةِ.

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَا دُفِنَ قَطُّ نَبِيٌّ إلَّا حَيْثُ يَمُوتُ».

الْمَقَامُ الثَّالِثُ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَتْ فَاطِمَةُ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ تَقُولُ لَهُ: لَوْ مِتَّ أَلَمْ تَكُنْ ابْنَتُك تَرِثُك؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ لَهُ: فَأَعْطِنِي مِيرَاثِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ».

فَتَذَكَّرَ ذَلِكَ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ، وَعَلِمَهُ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَطَلْحَةَ وَسَعْدٌ وَسَعِيدٌ، وَأَقَرَّ بِهِ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>