الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ؛ فَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: لَا نَشُكُّ أَنَّ الْحَجَّ الْأَكْبَرَ يَوْمُ النَّحْرِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي تُرْمَى فِيهِ الْجَمْرَةُ، وَيُنْحَرُ فِيهِ الْهَدْيُ، وَتُرَاقُ فِيهِ الدِّمَاءُ، وَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي يَنْقَضِي فِيهِ الْحَجُّ؛ مَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَوَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَهُوَ انْقِضَاءُ الْحَجِّ وَهُوَ الْحَجُّ الْأَكْبَرُ.
وَنَحْوَهُ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَشْهَبُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ عَنْهُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، فَقَالَ: " هُوَ يَوْمٌ يُحْلَقُ فِيهِ الشَّعْرُ، وَتُرَاقُ فِيهِ الدِّمَاءُ، وَيُحَلُّ فِيهِ الْحَرَامُ، وَتُوضَعُ فِيهِ النَّوَاصِي ".
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: " إنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ " وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: " الْحَجُّ الْأَكْبَرُ الْقِرَانُ، وَالْحَجُّ الْأَصْغَرُ الْعُمْرَةُ ".
قَالَ الْقَاضِي: إذَا نَظَرْنَا فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ فَالْمُنَقَّحُ مِنْهَا أَنَّ الْحَجَّ الْأَكْبَرَ الْحَجُّ، كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ؛ لَكِنَّا إذَا بَحَثْنَا عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ فَلَا شَكَّ أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ عَرَفَةَ، مَنْ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِهَا فِي يَوْمِهَا أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِهَا فَلَا حَجَّ لَهُ؛ بَيْدَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَحْثِ عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَذَكَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خُطْبَتِهِ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ لِثُبُوتِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ.
فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَمَرَ بِالْأَذَانِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَلِثُبُوتِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَيْضًا، فَإِنَّهُ قَالَ يَوْمُ النَّحْرِ: «أَيُّ يَوْمٍ هَذَا، أَلَيْسَ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ؟» كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
وَإِنْ كَانَ قَدْ رُوِيَ عَنْ الزُّبَيْرِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَقَالَ: أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: هُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ». وَهَذَا مِمَّا لَمْ يَصِحَّ سَنَدُهُ.
وَقَدْ احْتَجَّ ابْنُ أَبِي أَوْفَى عَلَى أَنَّهُ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ بِانْقِضَاءِ الْحَجِّ فِيهِ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute