للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْقَاضِي: قَوْلُهُ: مَا لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ، يُرِيدُ أَوْ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِهِ، كَفَّكِ الْأَسِيرِ، وَحَقِّ الْجَائِعِ، وَالْعَطْشَانِ.

وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْحُقُوقَ الْعَارِضَةَ كَالْحُقُوقِ الْأَصْلِيَّةِ.

وَقَوْلُهُ: مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ شُجَاعًا يَعْنِي حَيَّةً.

وَهَذَا تَمْثِيلُ حَقِيقَةٍ؛ لِأَنَّ الشُّجَاعَ جِسْمٌ وَالْمَالَ جِسْمٌ، فَتَغَيُّرُ الصِّفَاتِ وَالْجِسْمِيَّةِ وَاحِدَةٌ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: يُؤْتَى بِالْمَوْتِ فَإِنَّ تِلْكَ طَرِيقَةٌ أُخْرَى.

وَإِنَّمَا خَصَّ الشُّجَاعَ؛ لِأَنَّهُ الْعَدُوُّ الثَّانِي لِلْخَلْقِ.

وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِنَّ: «مَا سَالَمْنَاهُنَّ مُنْذُ حَارَبْنَاهُنَّ».

وَقَوْلُهُ: أَقْرَعُ، يَعْنِي الَّذِي ابْيَضَّ رَأْسُهُ مِنْ السُّمِّ.

وَالزَّبِيبَتَانِ: زُبْدَتَانِ فِي شِدْقَيْ الْإِنْسَانِ إذَا غَضِبَ وَأَكْثَرَ مِنْ الْكَلَامِ، قَالَتْ أُمُّ غَيْلَانَ بِنْتُ جَرِيرٍ: رُبَّمَا أَنْشَدْت أَبِي حَتَّى تَزَبَّبَ شَدْقَايَ. ضَرَبَ مَثَلًا لِلشُّجَاعِ الَّذِي يَتَمَثَّلُ كَهَيْئَةِ الْمَالِ، فَيَلْقَى صَاحِبَهُ غَضْبَانَ. وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: هُمَا نُقْطَتَانِ سَوْدَاوَانِ فَوْقَ عَيْنَيْهِ. وَقِيلَ: هُوَ الشُّجَاعُ الَّذِي كَثُرَ سُمُّهُ حَتَّى ظَهَرَ عَلَى شَدْقَيْهِ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزَّبِيبَتَيْنِ.

وَكَتَبَ أَهْلِ الْحَدِيثِ شُجَاعٌ بِغَيْرِ أَلِفٍ بَعْدَ الْعَيْنِ.

وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ كَتَبُوهُ بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَقَرَءُوهُ مَنْصُوبًا لِئَلَّا يُشْكِلَ بِالْمَمْدُودِ، وَكَذَلِكَ نُظَرَاؤُهُ.

وَاللِّهْزِمَةُ: الشَّدْقَانِ. وَفِي رِوَايَةٍ: يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ. وَقِيلَ: هُمَا فِي أَصْلِ الْحَنَكِ.

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «إنَّهُ يَمْثُلُ لَهُ مَالُهُ شُجَاعًا يَتَّبِعُهُ فَيَضْطَرُّهُ فَيُعْطِيهِ يَدَهُ فَيَقْضِمَهَا كَمَا يَقْضِمُ الْفَحْلُ».

فَأَمَّا حَبْسُهُ لِيَدِهِ فَلِأَنَّهُ شَحَّ بِالْمَالِ وَقَبَضَ بِهَا عَلَيْهِ، وَأَمَّا أَخْذُهُ بِفَمِهِ فَلِأَنَّهُ أَكَلَهُ، وَأَمَّا خُرُوجُهُ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيِهِ إلَى نُغْضِ كَتِفِهِ فَلِتَعْذِيبِ قَلْبِهِ وَبَاطِنِهِ حِينَ امْتَلَأَ بِالْفَرَحِ بِالْكَثْرَةِ فِي الْمَالِ وَالسُّرُورِ فِي الدُّنْيَا؛ فَعُوقِبَ فِي الْآخِرَةِ بِالْهَمِّ وَالْعَذَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>