إلَّا جُعِلَ لَهُ بِكُلِّ قِيرَاطٍ صَفِيحَةٌ مِنْ نَارٍ فَيُكْوَى بِهَا مِنْ فَرْقِهِ إلَى قِدَمِهِ، مَغْفُورٌ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ مُعَذَّبٌ».
قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ لَمْ يَصِحَّ سَنَدُهَا، وَهِيَ بَعْدُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَسْأَلُ النَّاسَ، فَمَاتَ فَوَجَدُوا لَهُ عِشْرِينَ أَلْفًا، فَقَالَ النَّاسُ: كَنْزٌ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَعَلَّهُ كَانَ يُؤَدِّي زَكَاتَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَمَا أَدَّى زَكَاتَهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ.
وَمِثْلُهُ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ يُوَسَّعُ جِلْدُهُ فَهَذَا إنَّمَا صَحَّ فِي الْكَافِرِ أَنَّهُ تَعْظُمُ جُثَّتُهُ زِيَادَةً فِي عَذَابِهِ، وَيَغْلُظُ جِلْدُهُ، وَيَكْبُرُ ضِرْسُهُ، حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ أُحُدٍ.
فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ لَهُ بِحَالٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إنَّمَا كُوِيَتْ جَبْهَتُهُ أَوَّلًا لَعَلَّهُ أَنَّهُ كَانَ يَزْوِيهَا لِلسَّائِلِ كَرَاهِيَةً لِسُؤَالِهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
يَزِيدُ يَغُضُّ الطَّرْفَ عَنِّي كَأَنَّمَا ... زَوَى بَيْنَ عَيْنَيْهِ عَلَيَّ الْمَحَاجِمَ
فَلَا يَنْبَسِطْ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْك مَا انْزَوَى ... وَلَا تَلْقَنِي إلَّا وَأَنْفُك رَاغِمُ
ثُمَّ يَلْوِي عَنْ وَجْهِهِ، وَيُعْطِيهِ جَنْبَهُ إذَا زَادَهُ فِي السُّؤَالِ؛ فَإِنْ أَكْثَرَ عَلَيْهِ وَلَّاهُ ظَهْرَهُ؛ فَرَتَّبَ اللَّهُ الْعُقُوبَةَ عَلَى حَالِ الْمَعْصِيَةِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: " مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ طَوَّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ يَنْقُرُ رَأْسَهُ ".
فَلَعَلَّهُ إنْ صَحَّ أَنْ يَكُونَ الْكَيُّ مِنْ خَارِجٍ، وَالنَّقْرُ مِنْ دَاخِلٍ.
وَقَالَتْ الصُّوفِيَّةُ: لَمَّا طَلَبُوا بِكَثْرَةِ الْمَالِ الْجَاهَ شَانَ اللَّهُ وُجُوهَهُمْ، وَلَمَّا طَوَوْا كَشْحًا