وَقَالَا: هَمَّنَا وَاَللَّهِ مِنْ الْحَدِيثِ مِثْلُ الَّذِي أَهَمَّكَ. فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّك قَدْ قُلْت: ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ، وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ: مَنْ إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ فَفِيهِ ثُلُثُ النِّفَاقِ، فَظَنَنَّا أَنَّا لَمْ نَسْلَمْ مِنْهُنَّ أَوْ مِنْ بَعْضِهِنَّ وَلَنْ يَسْلَمَ مِنْهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ. قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: مَا لَكُمْ وَلَهُنَّ؟ إنَّمَا خَصَصْت بِهِ الْمُنَافِقِينَ، كَمَا خَصَّهُمْ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ. أَمَّا قَوْلِي: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [المنافقون: ١] لَا يَرَوْنَ نُبُوَّتَكَ فِي قُلُوبِهِمْ، أَفَأَنْتُمْ كَذَلِكَ؟ قَالَ: فَقُلْنَا: لَا. قَالَ: فَلَا عَلَيْكُمْ، أَنْتُمْ مِنْ ذَلِكَ بُرَآءُ. وَأَمَّا قَوْلِي: إذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، فَذَلِكَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيَّ: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: ٧٥] إلَى: يَكْذِبُونَ. أَفَأَنْتُمْ كَذَلِكَ؟ قَالَ: فَقُلْنَا: لَا، وَاَللَّهِ لَوْ عَاهَدْنَا اللَّهَ عَلَى شَيْءٍ لَوَفَّيْنَا بِعَهْدِهِ. قَالَ: فَلَا عَلَيْكُمْ، أَنْتُمْ مِنْ ذَلِكَ بُرَآءُ. وَأَمَّا قَوْلِي: إذَا ائْتُمِنَ خَانَ، فَذَلِكَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ} [الأحزاب: ٧٢] إلَى: {جَهُولا} [الأحزاب: ٧٢]. فَكُلُّ مُؤْمِنٍ مُؤْتَمَنٌ عَلَى دِينِهِ، وَالْمُؤْمِنُ يَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَيَصُومُ وَيُصَلِّي فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَالْمُنَافِقُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا فِي الْعَلَانِيَةِ، أَفَأَنْتُمْ كَذَلِكَ؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: فَلَا عَلَيْكُمْ، أَنْتُمْ مِنْ ذَلِكَ بُرَآءُ. قَالَ: ثُمَّ خَرَجْت مِنْ عِنْدِهِ فَقَضَيْت مَنَاسِكِي، ثُمَّ مَرَرْت بِالْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، فَقُلْت لَهُ: حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْك. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قُلْت: مَنْ كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ. قَالَ: فَحَدَّثَنِي بِالْحَدِيثِ. قَالَ: فَقُلْت: أَعْنَدَك فِيهِ شَيْءٌ غَيْرُ هَذَا؟ قَالَ: لَا. قُلْت: أَلَا أُحَدِّثُك حَدِيثًا حَدَّثَنِي بِهِ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، فَحَدَّثْته بِهِ، فَتَعَجَّبَ مِنْهُ، وَقَالَ: إنْ لَقِينَا سَعِيدًا سَأَلْنَاهُ عَنْهُ، وَإِلَّا قَبِلْنَاك.»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute