الثَّالِثُ: أَنَّهُ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: ٨٠] وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ بَعْدَ الزِّيَادَةِ عَلَى السَّبْعِينَ، وَحَيْثُ تُوجَدُ الْعِلَّةُ يُوجَدُ الْحُكْمُ.
وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ تَخْيِيرٌ مِنْ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ: «إنِّي خُيِّرْت فَاخْتَرْت؛ قَدْ قِيلَ لِي: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إنَّ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ، لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي لَوْ زِدْت عَلَى السَّبْعِينَ غُفِرَ لَهُ لَزِدْت».
وَهَذَا أَقْوَى؛ لِأَنَّ هَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ صَحِيحٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّخْيِيرِ، وَتِلْكَ اسْتِنْبَاطَاتٌ، وَالنَّصُّ الصَّرِيحُ أَقْوَى مِنْ الِاسْتِنْبَاطِ.
فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ قَالَ: {فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: ٨٠] فَهَذَا فِي السَّبْعِينَ، وَلَيْسَ مَا وَرَاءَ السَّبْعِينَ كَالسَّبْعِينَ، لَا مِنْ دَلِيلِ الْخِطَابِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ؛ أَمَّا مِنْ دَلِيلِ الْخِطَابِ فَإِنَّ دَلِيلَ الْخِطَابِ لَا يَكُونُ فِي الْأَسْمَاءِ؛ وَإِنَّمَا يَكُونُ فِي الصِّفَاتِ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَرَدَدْنَاهُ عَلَى الدَّقَّاقِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ الَّذِي يَجْعَلُهُ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَهُوَ خَطَأٌ صِرَاحٌ وَأَمَّا مِنْ غَيْرِ دَلِيلِ الْخِطَابِ فَظَاهِرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا عُلِّقَ عَلَى اسْمٍ عَلَمٍ بَقِيَ غَيْرُهُ خَالِيًا عَنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ، فَيُطْلَبُ الْحُكْمُ فِيهِ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهَا مُبَالَغَةٌ فَدَعْوَى.
وَلَعَلَّهُ تَقْدِيرٌ لِمَعْنَى، حَتَّى لَقَدْ قَالَ [فِي] ذَلِكَ الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّ التَّعْدِيلَ فِي الْخَمْسَةِ؛ لِأَنَّهَا نِصْفُ الْعَقْدِ، وَزِيَادَةُ الْوَاحِدَةِ أَدْنَى الْمُبَالَغَةِ، وَزِيَادَةُ الِاثْنَيْنِ لِأَقْصَى الْمُبَالَغَةِ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْأَسَدُ سَبْعًا، عِبَارَةٌ عَنْ غَايَةِ الْقُوَّةِ، وَفِي الْأَمْثَالِ: أَخَذَهُ أَخْذَةَ سَبْعَةٍ أَيْ: غَايَةَ الْأَخْذِ، عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ، وَهَذَا تَحَكُّمٌ؛ إذْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَقُولَ: إنَّ الِاثْنَيْنِ أَوْسَطُ الْمُبَالَغَةِ، وَالثَّلَاثَةُ نِهَايَتُهَا، وَذَلِكَ فِي الثَّمَانِيَةِ، وَمِنْهُ يُقَالُ فِي الْمَثَلِ لِمَنْ بَالَغَ فِي عِوَضِ السِّلْعَةِ: أَثَمَنْتَ.
أَيْ: بَلَغْتَ الْغَايَةَ فِي الثَّمَنِ، وَهَذِهِ التَّحَكُّمَاتُ لَا قُوَّةَ فِيهَا، وَالِاشْتِقَاقَاتُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا؛ وَإِنَّمَا هِيَ مُلِحَّةٌ، فَإِذَا عَضَّدَهَا الدَّلِيلُ كَانَتْ صَحِيحَةً.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ عَلَّلَهُ بِالْكُفْرِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ بَعْدَ السَّبْعِينَ، وَالْكَافِرُ لَا يُغْفَرُ لَهُ.
قُلْنَا: أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ بَعْدَ السَّبْعِينَ، فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا الْحُكْمُ مِنْ عَدَمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute