الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي قَوْله تَعَالَى {الأَعْرَابُ} [التوبة: ٩٧]: اعْلَمُوا وَفَّقَكُمْ اللَّهُ لِسَبِيلِ الْعِلْمِ تَسْلُكُونَهَا، وَصَرَفَكُمْ عَنْ الْجَهَالَاتِ تَرْتَكِبُونَهَا أَنَّ بِنَاءَ " عَرَبٍ " يَنْطَلِقُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ عَلَى مَعَانٍ لَا تَنْتَظِمُ فِي مَسَاقٍ وَاحِدٍ، وَعَلَى رَأْيِ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَ الْأَبْنِيَةَ تَنْظُرُ إلَى الْمَعَانِي مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ يَجِدُهُ الطَّالِبُ لَهُ، وَقَدْ يَعْسُرُ عَلَيْهِ، وَقَدْ يَعْدَمُهُ وَيَنْقَطِعُ لَهُ.
وَهَذَا الْبِنَاءُ مِمَّا لَمْ يَتَّفِقْ لِي رَبْطُ مَعَانِيهِ بِهِ.
وَقَدْ جَاءَ ذِكْرُ الْأَعْرَابِ فِي الْقُرْآنِ هَاهُنَا، وَجَاءَ فِي السُّنَّةِ ذِكْرُ الْعَرَبِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ؛ وَلُغَةُ الْعَرَبِ مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَرَبِ، وَالْعَرَبُ اسْمٌ مُؤَنَّثٌ، فَإِذَا صَغَّرُوهُ أَسْقَطُوا الْهَاءَ فَقَالُوا: عُرَيْبٌ.
وَيُقَالُ: عَرَبٌ وَعُرْبٌ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْعَيْنِ، وَبِضَمِّ الْفَاءِ وَبِإِسْكَانِ الْعَيْنِ.
وَالْعَارِبَةُ وَالْعَرْبَاءُ؛ وَهُمْ أَوَائِلُهُمْ، أَوْ قَبَائِلُ مِنْهُمْ، يُقَالُ إنَّهُمْ سَبْعٌ، سَمَّاهُمْ ابْنُ دُرَيْدٍ وَغَيْرُهُ.
وَيُقَالُ الْأَعْرَابُ وَالْأَعَارِيبُ.
وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْأَعْرَابِيُّ لَزِيَمُ الْبَادِيَةِ، وَالْعَرَبِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى الْعَرَبِ وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ هَذِهِ النِّسْبَةَ قَدْ تَكُونُ نِسْبَةَ جِنْسٍ كَالْأَعْرَابِيِّ، وَقَدْ تَكُونُ نِسْبَةَ لِسَانٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَعَاجِمِ إذَا تَعَلَّمَهَا.
وَتَحْقِيقُ الْقَوْلِ أَنَّ الْأَعْرَابَ جَمْعٌ، وَهُوَ بِنَاءٌ لَهُ فِي الْوَاحِدِ أَمْثَالٌ مِنْهَا: فُعْلٌ وَفَعْلٌ وَفِعْلٌ وَفَعَلٌ، كَقُفْلٍ وَأَقْفَالٍ، وَفَلْسٍ وَأَفْلَاسٍ، وَحِمْلٍ وَأَحْمَالٍ، وَجَمَلٍ وَأَجْمَالٍ، وَلَمْ أَجِدْ عَرَبًا بِكَسْرِ الْفَاءِ إلَّا فِي نَوْعٍ مِنْ النَّبَاتِ لَا يَسْتَجِيبُ مَعَ سَائِرِ الْأَبْنِيَةِ، وَيَا لَيْتَ شَعْرِي، مَا الَّذِي يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الْأَعْرَابِيُّ مَنْسُوبًا إلَى الْأَعْرَابِ، وَالْعَرَبِيُّ مَنْسُوبًا إلَى الْعَرَبِ، وَيَكُونُ الْأَعْرَابُ هُمْ الْعَرَبَ.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَا سَلْمَانُ؛ لَا تَبْغَضْنِي فَتُفَارِقَ دِينَك. قَالَ: وَكَيْفَ أَبْغُضُك يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: تَبْغُضُ الْعَرَبَ».
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute