للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ: يَجِبُ غَسْلُهَا بِالْمَاءِ فِي حَالَتَيْ الذِّكْرِ وَالنِّسْيَانِ؛ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَشْهَبُ عَنْهُ: ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ وَاجِبٍ؛ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي تَفْصِيلِ الْحَالَيْنِ جَمِيعًا.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ: يَجِبُ فِي حَالَةِ الذِّكْرِ دُونَ النِّسْيَانِ؛ وَهِيَ مِنْ مُفْرَدَاتِهِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى الْوُجُوبِ الْمُطْلَقِ قَوْله تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: ٤]؛ فَأَمَرَهُ اللَّهُ بِطَهَارَةِ ثِيَابِهِ حَتَّى إنْ أَتَتْهُ الْعِبَادَةُ وَجَدْته عَلَى حَالَةٍ مُهَيَّأَةٍ لِأَدَائِهَا.

وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: إنَّ الثِّيَابَ كِنَايَةٌ، وَذَلِكَ دَعْوَى لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا.

وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى سُقُوطِ طَهَارَتِهَا بِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَغُسِلَ بِالْمَاءِ؛ فَإِنَّ الْحَجَرَ لَا يُزِيلُهُ.

قُلْنَا: هَذِهِ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ أَمَرَ بِهَا، وَعَفَا عَمَّا وَرَاءَهَا.

وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ حَالِ الذِّكْرِ وَالنِّسْيَانِ فَفِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ بُرْهَانُهُ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَنَّ رَفْعَ الْمُؤَاخَذَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْخِلَافِيَّاتِ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: بَنَى أَبُو حَنِيفَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى حَرْفٍ، فَقَالَ: إنَّ النَّجَاسَةَ إذَا كَانَتْ كَثِيرَةً وَجَبَتْ إزَالَتُهَا، وَإِذَا كَانَتْ قَلِيلَةً لَمْ تَجِبْ إزَالَتُهَا، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ يَعْنِي كِبَارَ الدَّرَاهِمِ الَّتِي هِيَ عَلَى قَدْرِ اسْتِدَارَةِ الدِّينَارِ، قِيَاسًا عَلَى الْمَسْرَبَةِ.

وَهَذَا بَاطِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ عِنْدَهُ لَا تَثْبُتُ قِيَاسًا؛؛ فَلَا يُقْبَلُ هَذَا التَّقْدِيرُ مِنْهُ.

الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الَّذِي خُفِّفَ عَنْهُ فِي الْمَسْرَبَةِ رُخْصَةٌ لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ، وَالرُّخَصُ لَا يُقَاسَ عَلَيْهَا، فَإِنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ الْقِيَاسِ: فَلَا تُرَدُّ إلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>