الثَّانِي: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ مَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا جَمِيعًا، وَيَتْرُكُوا نَبِيَّهُمْ، وَلَكِنْ يَخْرُجُ بَعْضُهُمْ، وَيَبْقَى الْبَعْضُ فِيمَا يَنْزِلُ مِنْ الْقُرْآنِ، وَيَجْرِي مِنْ الْعِلْمِ وَالْأَحْكَامِ، يُعَلِّمُهُ الْمُتَخَلِّفَ لِلسَّارِي عِنْدَ رُجُوعِهِ، وَقَالَهُ قَتَادَةُ.
الثَّالِثُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: إنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْجِهَادِ، وَلَكِنْ لَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مُضَرَ بِالسِّنِينَ أَجْدَبَتْ بِلَادُهُمْ، فَكَانَتْ الْقَبِيلَةُ مِنْهُمْ تُقْبِلُ بِأَسْرِهَا حَتَّى يَحُلُّوا بِالْمَدِينَةِ مِنْ الْجَهْدِ، وَيَعْتَلُّوا بِالْإِسْلَامِ وَهُمْ كَاذِبُونَ، فَضَيَّقُوا عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَجْهَدُوهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ يُخْبِرُ رَسُولَهُ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ، فَرَدَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى عَشَائِرِهِمْ، وَحَذَّرَ قَوْمَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا فِعْلَهُمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ} [التوبة: ١٢٢].
الرَّابِعُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: نَسَخَتْهَا: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: ٤١].
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي تَحْرِيرِ الْأَقْوَالِ: أَمَّا نَسْخُ بَعْضِ هَذِهِ لِبَعْضٍ فَيَفْتَقِرُ إلَى مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ فِيهَا.
وَأَمَّا الظَّاهِرُ فَنَسْخُ الِاسْتِنْفَارِ الْعَامِّ؛ لِأَنَّهُ الطَّارِئُ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْزُو فِي فِئَامٍ مِنْ النَّاسِ، وَلَمْ يَسْتَوْفِ قَطُّ جَمِيعَ النَّاسِ، إلَّا فِي غَزْوَةِ الْعُسْرَةِ.
وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْخُرُوجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ لَا يَلْزَمُ الْأَعْيَانَ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْكِفَايَةِ.
قَالَ الْقَاضِي: إنَّمَا يَقْتَضِي ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ الْحَثَّ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ وَالنَّدْبَ إلَيْهِ دُونَ الْإِلْزَامِ وَالْوُجُوبِ، وَاسْتِحْبَابَ الرِّحْلَةِ فِيهِ وَفَضْلَهَا.
فَأَمَّا الْوُجُوبُ فَلَيْسَ فِي قُوَّةِ الْكَلَامِ؛ وَإِنَّمَا لَزِمَ طَلَبُ الْعِلْمِ بِأَدِلَّتِهِ؛ فَأَمَّا مَعْرِفَةُ اللَّهِ فَبِأَوَامِرِ الْقُرْآنِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ.
وَأَمَّا مَعْرِفَةُ الرَّسُولِ فَلِوُجُوبِ الْأَمْرِ بِالتَّصْدِيقِ بِهِ، وَلَا يَصِحُّ التَّصْدِيقُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute