فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي تَفْسِيرِ {الْحَقُّ} [يونس: ٣٢] وَقَدْ مَهَّدْنَاهُ فِي كِتَابِ " الْأَمَدِ الْأَقْصَى " فِي تَسْمِيَةِ الْبَارِي تَعَالَى بِهِ. وَلُبَابُهُ أَنَّ الْحَقَّ هُوَ الْوُجُودُ، وَالْوُجُودُ عَلَى قِسْمَيْنِ: وُجُودٌ حَقِيقِيٌّ، وَوُجُودٌ شَرْعِيٌّ.
فَأَمَّا الْوُجُودُ الْحَقِيقِيُّ فَلَيْسَ إلَّا لِلَّهِ وَصِفَاتِهِ، وَعَلَيْهِ جَاءَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنْتَ الْحَقُّ، وَقَوْلُك الْحَقُّ، وَوَعْدُك الْحَقُّ، وَلِقَاؤُك حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ».
فَأَمَّا اللَّهُ وَصِفَاتُهُ فَوُجُودُهَا [هُوَ] حَقٌّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهَا عَدَمٌ، وَلَا يَعْقُبُهَا فَنَاءٌ.
وَأَمَّا لِقَاءُ اللَّهِ فَهُوَ حَقٌّ سَبَقَهُ عَدَمٌ، وَيَعْقُبُهُ مِثْلُهُ. وَأَمَّا الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَهُمَا حَقَّانِ، سَبَقَهُمَا عَدَمٌ، وَلَا يَعْقُبُهَا فَنَاءٌ، لَكِنَّ مَا فِيهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ أَعْرَاضٌ. وَأَمَّا الْوُجُودُ الشَّرْعِيُّ فَهُوَ الَّذِي يُحَسِّنُهُ الشَّرْعُ، وَهُوَ وَاجِبٌ وَغَيْرُ وَاجِبٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:
فِي تَحْقِيقِ مَعْنَى الْبَاطِلِ: وَهُوَ ضِدُّ الْحَقِّ، وَالضِّدُّ رُبَّمَا أَظْهَرَ حَقِيقَةَ الضِّدِّ، فَإِذَا قُلْنَا: إنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ حَقِيقَةً، فَمَا سِوَاهُ بَاطِلٌ، وَعَنْهُ عَبَّرَ الَّذِي يَقُولُ:
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ ... وَكُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ
وَإِنْ قُلْنَا: [إنَّ] الْحَقَّ هُوَ الْحَسَنُ شَرْعًا فَالْبَاطِلُ هُوَ الْقَبِيحُ شَرْعًا، وَمُقَابَلَةُ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ عُرِفَ لُغَةً وَشَرْعًا، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحج: ٦٢]. كَمَا أَنَّ مُقَابَلَةَ الْحَقِّ بِالضَّلَالِ عُرِفَ أَيْضًا لُغَةً وَشَرْعًا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: ٣٢]، وَقَدْ بَيَّنَ حَقِيقَةَ الْحَقِّ. فَأَمَّا حَقِيقَةُ الضَّلَالِ، وَهِيَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute