للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قُلْنَا: لَا يَلْزَمُهُ؛ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ فِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ نَبِيٌّ. وَقَدْ قَالَ: إنَّهُ يَكُونُ كَذَا وَيَقَعُ كَذَا، فَأَوْجَدَ اللَّهُ مَا أَخْبَرَ كَمَا قَالَ؛ تَحْقِيقًا لِنُبُوَّتِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا مَخْرَجُ كَلَامِ يُوسُفَ فِي أَنَّهُ يَكُونُ كَذَا إنْ كَانَا رَأَيَاهُ.

قُلْنَا: ذَلِكَ جَائِزٌ؛ وَلَكِنْ الْفَتَيَانِ أَرَادَا اخْتِبَارَهُ بِذَلِكَ، فَحَقَّقَ اللَّهُ قَوْلَهُ [آيَةَ]، وَقَابَلَ الْهَزْلَ بِالْجَدِّ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: ١٥].

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ: إنِّي رَأَيْت كَأَنِّي أَعْشَبْت، ثُمَّ أَجْدَبْت، ثُمَّ أَعْشَبْت، ثُمَّ أَجْدَبْت. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ رَجُلٌ تُؤْمِنُ، ثُمَّ تَكْفُرُ، ثُمَّ تُؤْمِنُ، ثُمَّ تَكْفُرُ، ثُمَّ تَمُوتُ كَافِرًا. فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: مَا رَأَيْت شَيْئًا. فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ قُضِيَ لَك مَا قُضِيَ لِصَاحِبِ يُوسُفَ.

قُلْنَا: لَيْسَتْ لِأَحَدٍ بَعْدَ عُمَرَ؛ لِأَنَّ عُمَرَ كَانَ مُحَدَّثًا، وَكَانَ إذَا ظَنَّ ظَنًّا كَانَ، وَإِذَا تَكَلَّمَ بِهِ وَقَعَ عَلَى مَا وَرَدَ فِي أَخْبَارِهِ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ؛ مِنْهَا: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: أَظُنُّك كَاهِنًا، فَكَانَ كَمَا ظَنَّ خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ.

وَمِنْهَا: أَنَّهُ سَأَلَ رَجُلًا عَنْ اسْمِهِ، فَقَالَ لَهُ أَسْمَاءَ فِيهَا النَّارُ كُلُّهَا، فَقَالَ لَهُ: أَدْرِكْ أَهْلَك فَقَدْ احْتَرَقُوا؛ فَكَانَ كَمَا قَالَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>