للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ مُجَاهِدٌ: مِنْ النُّجُومِ مَا يَكُونُ عَلَامَاتٍ، وَمِنْهَا مَا يَهْتَدُونَ بِهِ.

وَقَالَ قَتَادَةُ: خَلَقَ اللَّهُ هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلَاثِ خِصَالٍ: جَعَلَهَا اللَّهُ زِينَةً لِلسَّمَاءِ، وَجَعَلَهَا يَهْتَدُونَ بِهَا، وَجَعَلَهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ. فَمَنْ تَعَاطَى مِنْهَا غَيْرَ ذَلِكَ سَفَّهَ رَأْيَهُ، وَأَخْطَأَ حَظُّهُ، وَأَضَاعَ نَفْسَهُ، وَتَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ.

وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَشَرْحِ الْحَدِيثِ تَحْقِيقَ ذَلِكَ وَتِبْيَانَهُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: {وَبِالنَّجْمِ} [النحل: ١٦]: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلْجِنْسِ. وَالْمُرَادُ بِهِ جَمْعُ النُّجُومِ [وَلَا يَهْتَدِي بِهَا إلَّا الْعَارِفُ].

الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الثُّرَيَّا.

الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجَدْيُ وَالْفَرْقَدَانِ.

فَأَمَّا جَمِيعُ النُّجُومِ فَلَا يَهْتَدِي بِهَا إلَّا الْعَارِفُ بِمَطَالِعِهَا وَمَغَارِبِهَا، وَالْمَفْرِقُ بَيْنَ الْجَنُوبِيِّ وَالشَّمَالِيِّ مِنْهَا؛ وَذَلِكَ قَلِيلٌ فِي الْآخِرِينَ.

وَأَمَّا الثُّرَيَّا فَلَا يَهْتَدِي بِهَا إلَّا مَنْ يَهْتَدِي بِجَمِيعِ النُّجُومِ، وَإِنَّمَا الْهَدْيُ لِكُلِّ أَحَدٍ بِالْجَدْيِ وَالْفَرْقَدَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ النُّجُومِ الْمُنْحَصِرَةِ الْمَطْلَعِ، الظَّاهِرَةِ السَّمْتِ، الثَّابِتَةِ فِي الْمَكَانِ فَإِنَّهَا تَدُورُ عَلَى الْقُطْبِ الثَّابِتِ دَوَرَانًا مُحَصَّلًا، فَهِيَ أَبَدًا هَدْيُ الْخَلْقِ فِي الْبَرِّ إذَا عَمِيَتْ الطُّرُقُ، وَفِي الْبَحْرِ عِنْدَ مَجْرَى السُّفُنِ، وَعَلَى الْقِبْلَةِ إذَا جَهِلَ السَّمْتَ، وَذَلِكَ عَلَى الْجُمْلَةِ بِأَنْ تَجْعَلَ الْقُطْبَ عَلَى ظَهْرِ مَنْكِبِك الْأَيْسَرِ، فَمَا اسْتَقْبَلْت فَهُوَ سَمْتُ الْجِهَةِ، وَتَحْدِيدُهَا فِي الْإِبْصَارِ أَنَّك إذَا نَظَرْت الشَّمْسَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ كَانُونَ الْأَوَّلِ طَالِعَةً فَاجْعَلْ بَيْنَ وَجْهِك وَبَيْنَهَا فِي التَّقْدِيرِ ذِرَاعًا، وَتَكُونُ مُسْتَقْبِلًا

<<  <  ج: ص:  >  >>