يَخْتَصَّ بِهَا مُسْتَحِقٌّ، بَيْدَ أَنَّ الْبَارِئَ تَعَالَى اسْتَثْنَى الْقِصَاصَ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، وَجَعَلَهُ لِلْأَوْلِيَاءِ الْوَارِثِينَ، لِيَتَحَقَّقَ فِيهِ الْعَفْوُ الَّذِي نُدِبَ إلَيْهِ فِي بَابِ الْقَتْلِ، وَلَمْ يُجْعَلْ عَفَوَا فِي سَائِرِ الْحُدُودِ، لِحِكْمَتِهِ الْبَالِغَةِ، وَقُدْرَتِهِ النَّافِذَةِ، وَلِهَذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَ أَوْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ».
وَكَانَتْ هَذِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ خَاصِّيَّةً أُعْطِيَتْهَا هَذِهِ الْأُمَّةُ، تَفَضُّلًا وَتَفْضِيلًا، وَحِكْمَةً وَتَفْصِيلًا، فَخُصَّ بِذَلِكَ الْأَوْلِيَاءُ، لِيُتَصَوَّرَ الْعَفْوُ، أَوْ الِاسْتِيفَاءُ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْحُزْنِ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، وَهِيَ:
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي دُخُولِ النِّسَاءِ فِي الدَّمِ، فَإِذَا قَالَ بِدُخُولِهِنَّ فِيهِ، فَلِعُمُومِ الْآيَةِ، وَإِذَا قَالَ بِخُرُوجِهِنَّ عَنْهُ فَلِأَنَّ طَلَبَ الْقِصَاصِ مَبْنَاهُ عَلَى النَّصْرِ وَالْحِمَايَةِ، وَلَيْسَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِهَا، وَإِلَيْهِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: {إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء: ٣٣]. فَإِذَا قُلْنَا بِدُخُولِهِنَّ فِيهِ، وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى فَفِي أَيِّ شَيْءٍ يَكُونُ دُخُولُهُنَّ؟ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: فِي الْقَوَدِ دُونَ الْعَفْوِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْغَرَضَ اسْتِبْقَاؤُهُ لِحُصُولِ الْحَيَاةِ، وَالتَّشَفِّي مِنْ عَدَمِ النَّصِيرِ، وَعَظِيمِ الْحُزْنِ عَلَى الْفَقِيدِ؛ وَالنِّسَاءُ بِذَلِكَ أَخَصُّ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ دُخُولَهُنَّ فِي الْعَفْوِ دُونَ الْقَوَدِ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْإِسْقَاطِ الَّذِي يُغَلَّبُ فِي الْحُدُودِ؛ فَمِنْ أَيِّ وَجْهٍ وَجَدْنَا الْإِسْقَاطَ، وَإِنْ ضَعُفَ أَمْضَيْنَاهُ.
انْتِصَافٌ ذَكَرَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّبَرِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي أَنَّهُ احْتَجَّ عَلَى مَنْعِ النِّسَاءِ مِنْ الدُّخُولِ فِي الْآيَةِ بِوُجُوهٍ رَكِيكَةٍ، مِنْهَا: أَنَّ الْوَلِيَّ فِي ظَاهِرِهِ عَلَى التَّذْكِيرِ وَهُوَ وَاحِدٌ؛ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَا كَانَ بِمَعْنَى الْجِنْسِ اسْتَوَى الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ فِيهِ. قَالَ الْقَاضِي: لَمْ يُنْصِفْ الطَّبَرِيُّ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ كَلَامَ إسْمَاعِيلَ، وَاسْتَرَكَّهُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ، فَالرَّكِيكُ هُوَ قَوْلُهُ الَّذِي لَمْ يَتِمَّ؛ وَتَمَامُ قَوْلِ إسْمَاعِيلَ هُوَ أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute