للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: {مَرَحًا} [الإسراء: ٣٧]: فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ:

الْأَوَّلُ: مُتَكَبِّرًا. الثَّانِي: بَطِرًا. الثَّالِثُ: شَدِيدُ الْفَرَحِ. الرَّابِعُ: النَّشَاطُ. فَإِذَا تَتَبَّعْت هَذِهِ الْأَقْوَالَ وَجَدْتهَا مُتَقَارِبَةً، وَلَكِنَّهَا مُنْقَسِمَةٌ قِسْمَيْنِ مُخْتَلِفِينَ: أَحَدُهُمَا مَذْمُومٌ، وَالْآخَرُ مَحْمُودٌ؛ فَالتَّكَبُّرُ وَالْبَطَرُ مَذْمُومَانِ، وَالْفَرَحُ وَالنَّشَاطُ مَحْمُودَانِ؛ وَلِذَلِكَ يُوصَفُ اللَّهُ بِالْفَرَحِ، فَفِي الْحَدِيثِ: «لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ مِنْ رَجُلٍ» الْحَدِيثَ " وَالْكَسَلُ مَذْمُومٌ شَرْعًا، وَالنَّشَاطُ ضِدُّهُ. وَقَدْ يَكُونُ التَّكَبُّرُ مَحْمُودًا، وَذَلِكَ عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ وَعَلَى الظَّلَمَةِ.

وَحَقِيقَةُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ الْآنَ أَنَّ الْفَرَحَ إذَا كَانَ بَدَنِيًّا وَصِفَاتٍ لَيْسَ لَهَا فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ، أَوْ كَانَ النَّشَاطُ إلَى مَا لَا يَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ، وَلَا يَكُونُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا نِيَّةٌ دِينِيَّةٌ لِلْمُتَّصِفِ بِهِمَا؛ فَذَلِكَ الَّذِي ذَمَّ اللَّهُ هَاهُنَا. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي:

الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ: {إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ} [الإسراء: ٣٧]: يَعْنِي لَنْ تَتَوَلَّجَ بَاطِنَهَا، فَتَعْلَمَ مَا فِيهَا، وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا، وَهِيَ:

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: يُرِيدُ لَنْ تُسَاوِيَ الْجِبَالَ بِطَوْلِك، وَلَا بِطُولِك، وَإِنَّمَا تَسْتَقْبِلُ مَا أَمَامَك؛ وَأَيُّ فَضْلٍ لَك فِي ذَلِكَ؟ وَالْمُسَاوَاةُ فِيهِ مَوْجُودَةٌ بَيْنَ الْخَلْقِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>