وَقَدْ مَهَّدْنَاهُ فِي رِسَالَةِ الْمُلْجِئَةِ، وَهَذَا عَزْمٌ مِنْ اللَّهِ لِعَبْدِهِ عَلَى أَنْ يُدْخِلَ قَوْلًا وَعَقْدًا فِي مَشِيئَةِ رَبِّهِ، فَمَا تَشَاءُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ؛ وَقَوْلُ ذَلِكَ أَجْدَرُ فِي قَضَاءِ الْأَمْرِ، وَدَرْكِ الْحَاجَةِ. قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً تَحْمِلُ كُلُّ امْرَأَةٍ فَارِسًا يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ، فَلَمْ تَحْمِلْ شَيْئًا إلَّا وَاحِدًا سَاقِطًا أَحَدُ شِقَّيْهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ قَالَهَا لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
فَهَذَا بَيَانُ الثُّنْيَا فِي الْيَمِينِ، وَأَنَّهَا حَالَةٌ لِعَقْدِ الْأَيْمَانِ، وَأَصْلٌ فِي سُقُوطِ سَبَبِ الْكَفَّارَةِ عَنْهَا، وَإِنَّمَا الَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَنْ يُذْكَرَ اللَّهُ عِنْدَ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: ٢٤]. وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ وَاذْكُرْ رَبَّك إذَا نَسِيت بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْأَيْمَانِ، مَتَى ذَكَرْتَ، وَلَوْ إلَى سَنَةٍ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَالْحَسَنُ.
الثَّانِي: قَالَ عِكْرِمَةُ: مَعْنَاهُ وَاذْكُرْ رَبَّك إذَا غَضِبْت.
الثَّالِثُ: أَنَّ مَعْنَاهُ وَاذْكُرْ رَبَّك إذَا نَسِيت بِالِاسْتِثْنَاءِ، فَيَرْفَعُ عَنْهُ ذِكْرُ الِاسْتِثْنَاءِ الْحَرَجَ، وَتَبْقَى الْكَفَّارَةُ. وَإِنْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا انْتَفَى الْحَرَجُ وَالْكَفَّارَةُ.
فَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّ مَعْنَاهُ وَاذْكُرْ رَبَّك إذَا نَسِيت بِالِاسْتِثْنَاءِ فَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَإِنِّي وَاَللَّهِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي».
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ وَاذْكُرْ رَبَّك إذَا غَضِبْتَ بِالْغَيْنِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ فَمَعْنَاهُ التَّثَبُّتُ عِنْدَ الْغَضَبِ فَإِنَّهُ مَوْضِعُ عَجَلَةٍ، وَمَزَلَّةُ قَدَمٍ، وَالْمَرْءُ يُؤَاخَذُ بِمَا يَنْطِقُ بِهِ فَمُهُ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute