للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ سَبَبَ الْقَتْلِ هُوَ الْكُفْرِ بِهَذِهِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: ١٩٣]؛ فَجَعَلَ الْغَايَةَ عَدَمَ الْكُفْرِ نَصًّا، وَأَبَانَ فِيهَا أَنَّ سَبَبَ الْقَتْلِ الْمُبِيحَ لِلْقِتَالِ الْكُفْرُ.

وَقَدْ ضَلَّ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ هَذَا، وَزَعَمُوا أَنَّ سَبَبَ الْقَتْلِ الْمُبِيحَ لِلْقِتَالِ هِيَ الْخَرْبَةُ، وَتَعَلَّقُوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: ١٩٠] وَهَذِهِ الْآيَةُ تَقْضِي عَلَيْهَا الَّتِي بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ أَوَّلًا بِقِتَالِ مَنْ قَاتَلَ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ سَبَبَ قِتَالِهِ وَقَتْلِهِ كُفْرُهُ الْبَاعِثُ لَهُ عَلَى الْقِتَالِ، وَأَمَرَ بِقِتَالِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ بِابْتِدَاءِ قِتَالٍ مِنْهُ.

فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ الْمُبِيحُ لِلْقَتْلِ هُوَ الْكُفْرُ لَقُتِلَ كُلُّ كَافِرٍ وَأَنْتَ تَتْرُكُ مِنْهُمْ النِّسَاءَ وَالرُّهْبَانَ وَمَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مَعَهُمْ.

فَالْجَوَابُ: أَنَّا إنَّمَا تَرَكْنَاهُمْ مَعَ قِيَامِ الْمُبِيحِ بِهِمْ لِأَجْلِ مَا عَارَضَ الْأَمْرَ مِنْ مَنْفَعَةٍ أَوْ مَصْلَحَةٍ: أَمَّا الْمَنْفَعَةُ فَالِاسْتِرْقَاقُ فِيمَنْ يُسْتَرَقُّ؛ فَيَكُونُ مَالًا وَخَدَمًا، وَهِيَ الْغَنِيمَةُ الَّتِي أَحَلَّهَا اللَّهُ تَعَالَى لَنَا مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ.

وَأَمَّا الْمَصْلَحَةُ فَإِنَّ فِي اسْتِبْقَاءِ الرُّهْبَانِ بَاعِثًا عَلَى تَخَلِّي رِجَالِهِمْ عَنْ الْقِتَالِ فَيُضْعِفُ حَرْبَهُمْ وَيُقِلُّ حِزْبَهُمْ فَيَنْتَشِرُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهِمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>