للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الْمَاءَيْنِ الْتَقَيَا عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ مَا كَانَ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ بِالْإِقْلَاعِ، فَلَمْ تَمْتَصَّ الْأَرْضُ مِنْ قَطْرِهِ، وَأَمَرَ الْأَرْضَ بِابْتِلَاعِ مَا خَرَجَ مِنْهَا فَقَطْ، وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ} [هود: ٤٤].

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَمْ تَشْرَبْ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ قَطْرَةً.

نُكْتَةٌ أُصُولِيَّةٌ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: قَوْلُهُ: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} [الطارق: ١١] فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ ذَاتُ الْمَطَرِ؛ لِأَنَّهَا تَرْجِعُ فِي كُلِّ عَامٍ إلَى الْحَالَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا مِنْ إنْزَالِ الْمَطَرِ مِنْهَا.

وَظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ كَمَا بَيَّنَّا أَنَّهَا تَرُدُّ مَا أَخَذَتْ مِنْ الْأَرْضِ مِنْ الْمَاءِ؛ إذْ السَّحَابُ يَسْتَقِي مِنْ الْبَحْرِ، وَأَنْشَدُوا فِي ذَلِكَ قَوْلَ الْهُذَلِيِّ:

شَرِبْنَ بِمَاءِ الْبَحْرِ ثُمَّ تَرَفَّعَتْ ... مَتَى لُجَجٌ لَهُنَّ نَئِيجُ

يَعْنِي السَّحَابَ، وَهَذِهِ دَعْوَى عَرِيضَةٌ طَوِيلَةٌ، وَهِيَ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ جَائِزَةٌ، وَلَكِنَّهُ أَمْرٌ لَا يُعْلَمُ بِالنَّظَرِ، وَإِنَّمَا طَرِيقُهُ الْخَبَرُ، وَلَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ أَثَرٌ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} [المؤمنون: ١٨]:

يَعْنِي لَقَادِرُونَ عَلَى إذْهَابِ الْمَاءِ الَّذِي أَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ، فَيَهْلَكُ النَّاسُ بِالْعَطَشِ، وَتَهْلَكُ مَوَاشِيهِمْ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك: ٣٠] وَقَدْ قَالَ: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: ٤٨] وَهِيَ:

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ:

فَهَذَا عَامٌّ فِي مَاءِ الْمَطَرِ وَالْمَاءِ الْمُخْتَزَنِ فِي أَرْضٍ، فَصَارَتْ إحْدَى الْآيَتَيْنِ عَامَّةً وَهِيَ آيَةُ الطَّهُورِ. وَالْآيَةُ الْأُخْرَى خَاصَّةً وَهِيَ مَاءُ الْقَدْرِ الْمُسْكَنِ فِي الْأَرْضِ، وَمِنْ هَاهُنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>