للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: يَكُونُ ذَلِكَ كَالنِّكَاحِ لَا يَجِبُ، فَإِذَا انْعَقَدَ وَجَبَتْ أَحْكَامُهُ، مِنْهَا الْمُتْعَةُ.

قُلْنَا: عِنْدَنَا لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ؛ فَلَا مَعْنَى لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي التَّعَلُّقِ بِهَا.

وَالدَّلِيلُ الْقَاطِعُ عَلَى أَنَّ الْإِيتَاءَ غَيْرُ وَاجِبٍ أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا غَيْرَ مُقَدَّرٍ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ لَكَانَ الْمَالُ فِي أَصْلِ الْكِتَابَةِ مَجْهُولًا، وَالْعَقْدُ بِالْعِوَضِ الْمَجْهُولِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّ اللَّهَ شَرَعَهُ، وَقَدْ عَضَّدَهُ عُلَمَاؤُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: ٣٣]. وَمَالُ اللَّهِ هُوَ الزَّكَاةُ، وَالْفَيْءُ، وَلَيْسَ بِمَالٍ أَوْجَبَ حَقًّا فِي عَقْدٍ، وَإِنْ كَانَ الْعِبَادُ وَأَمْوَالُهُمْ لِلَّهِ، وَلَكِنَّ مُطْلَقَ اللَّفْظِ إنَّمَا يَنْطَلِقُ عَلَى الزَّكَاةِ وَالْفَيْءِ.

فَإِنْ قِيلَ: يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ فِي هَذَا: إنَّهُ مَالُ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِحَقِّ اللَّهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ، وَقَصَدَ بِهِ الْقُرْبَةَ إلَيْهِ.

قُلْنَا: هَذَا مَجَازٌ، لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّ أَصْحَابَ الشَّافِعِيِّ يُرِيدُونَ أَنْ يَجْعَلُوا الْمَجَازَ حَقِيقَةً، وَيَعْدِلُونَ بِاللَّفْظِ عَنْ طَرِيقِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يَفْعَلُونَ بِقَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ؟

قُلْنَا: سُبْحَانَ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ الْحُجَّةَ إلَّا فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْمُعْجِزَةِ، عَلَى أَنَّ الَّذِي رُوِيَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ أَنَّ عُمَرَ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ هُوَ جَدُّ مَيْمُونِ بْنِ جَابَانَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: كَمْ تَعْرِضُ؟ فَقَالَ عَبْدُهُ: أَعْرِضُ مِائَتَيْ أُوقِيَّةٍ. قَالَ: فَمَا اسْتَزَادَنِي، وَكَاتَبَنِي عَلَيْهَا، فَأَرَادَ أَنْ يُعَجِّلَ لِي مِنْ مَالِهِ طَائِفَةً، فَأَرْسَلَ إلَى حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: إنِّي كَاتَبْت غُلَامِي، فَأَرَدْت أَنْ أُعَجِّلَ لَهُ طَائِفَةً مِنْ مَالِي، فَأَرْسِلِي إلَيَّ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ إلَى أَنْ يَأْتِيَنَا بِشَيْءٍ، فَأَرْسَلَتْ بِهَا إلَيْهِ، فَأَخَذَهَا عُمَرُ بِيَمِينِهِ، وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: ٣٣] فَخُذْهَا، فَبَارَكَ اللَّهُ لَك فِيهَا. قَالَ: فَبَارَكَ اللَّهُ لِي فِيهَا؛ عَتَقْت مِنْهَا، وَأَصَبْت خَيْرًا كَثِيرًا.

وَقَالَ عَلِيٌّ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: ٣٣] قَالَ: رُبُعُ الْكِتَابَةِ. وَكَاتَبَ عَبْدًا لَهُ عَلَى أَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَوَضَعَ عَنْهُ رُبُعَهَا، وَهَذَا مِنْ فِعْلِ عُمَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>