للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالِثُ: أَنَّهَا وَسَطُ الشَّجَرِ، لَا تَنَالُهَا الشَّمْسُ إذَا طَلَعَتْ وَلَا إذَا غَرَبَتْ، وَذَلِكَ أَجْوَدُ لِزَيْتِهَا: قَالَهُ عَطِيَّةُ.

الرَّابِعُ: أَنَّهَا لَيْسَ فِي شَجَرِ الشَّرْقِ وَلَا فِي شَجَرِ الْغَرْبِ مِثْلُهَا قَالَهُ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ.

الْخَامِسُ: أَنَّهَا مِنْ شَجَرِ الْجَنَّةِ لَا مِنْ الدُّنْيَا قَالَهُ الْحَسَنُ.

السَّادِسُ: أَنَّهَا مُؤْمِنَةٌ، لَيْسَتْ بِنَصْرَانِيَّةٍ تُصَلِّي إلَى الشَّرْقِ، وَلَا يَهُودِيَّةٍ تُصَلِّي إلَى الْغَرْبِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ.

قَالَ الْفَقِيهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُحَقِّقِينَ الَّذِينَ يُنْزِلُونَ التَّفْسِيرَ مَنَازِلَهُ، وَيَضَعُونَ التَّأْوِيلَ مَوَاضِعَهُ مِنْ غَيْرِ إفْرَاطٍ وَلَا تَفْرِيطٍ، أَنَّ هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِنُورِهِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَضْرِبَ لِنُورِهِ الْمُعَظَّمَ مَثَلًا تَنْبِيهًا لِخَلْقِهِ إلَّا بِبَعْضِ خَلْقِهِ؛ لِأَنَّ الْخَلْقَ بِقُصُورِهِمْ لَا يَفْهَمُونَ إلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا عَرَفَ اللَّهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، وَأَنْوَرُ الْمَصَابِيحِ فِي الدُّنْيَا مِصْبَاحٌ يُوقَدُ مِنْ دُهْنِ الزَّيْتُونِ، وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ مُفْرَدَةً قَدْ تَبَاعَدَ عَنْهَا الشَّجَرُ فَخَلَصَتْ مِنْ الْكُلِّ، وَأَخَذَتْهَا الشَّمْسُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَذَلِكَ أَصْفَى لِنُورِهَا، وَأَطْيَبُ لِزَيْتِهَا، وَأَنْضَرُ لِأَغْصَانِهَا، وَذَلِكَ مَعْنَى بَرَكَةِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الَّتِي فَهِمَهَا النَّاسُ حَتَّى اسْتَعْمَلُوهَا فِي أَشْعَارِهِمْ، فَقَالُوا:

بُورِكَ الْمَيْتُ الْغَرِيبُ كَمَا ... بُورِكَ نَضْرُ الرُّمَّانِ وَالزَّيْتُونِ

وَقَدْ رَأَيْت فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى زَيْتُونَةً كَانَتْ بَيْنَ مِحْرَابِ زَكَرِيَّا وَبَيْنَ بَابِ التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ الَّذِي يَقُولُونَ: إنَّهُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ يَعْنِي الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى، وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ بِشَرْقِيِّهِ دُونَ السُّوَرِ، وَادِي جَهَنَّمَ، وَفَوْقَهُ أَرْضُ الْمَحْشَرِ الَّتِي تُسَمَّى بِالسَّاهِرَةِ، فَكَانُوا يَقُولُونَ: إنَّهَا الشَّجَرَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَرَبُّك أَعْلَمُ.

وَمِنْ غَرِيبِ الْأَثَرِ أَنَّ بَعْضَ عُلَمَائِنَا الْفُقَهَاءِ قَالَ: إنَّ هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِإِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدٍ، وَلِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَابْنِهِ عَبْدُ اللَّهِ، فَالْمِشْكَاةُ هِيَ الْكُوَّةُ بِلُغَةِ الْحَبَشَةِ، فَشَبَّهَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِالْكُوَّةِ فِيهَا الْقِنْدِيلُ، وَهُوَ الزُّجَاجَةُ، وَشَبَّهَ عَبْدُ اللَّهِ بِالْقِنْدِيلِ وَهُوَ الزُّجَاجَةُ، وَمُحَمَّدٌ كَالْمِصْبَاحِ يَعْنِي مِنْ أَصْلَابِهِمَا، وَكَأَنَّهُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ وَهُوَ الْمُشْتَرَى، يُوقَدُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>