أَمَّا إنْ قُلْنَا بِقَوْلِ الْحَسَنِ مِنْ أَنَّ نَفْيَ الْحَرَجِ عَنْ الثَّلَاثَةِ الْأَصْنَافِ الزَّمْنَى مَقْطُوعٌ عَمَّا قَبْلَهُ، وَأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور: ٦١] كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ.
وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي الْأَوَّلِ: إنَّ الْأَنْصَارَ تَحَرَّجُوا أَنْ يَأْكُلُوا مَعَهُمْ، فَلَوْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا لَكَانَ الْمَعْنَى: لَيْسَ عَلَى مَنْ أَكَلَ مَعَ هَؤُلَاءِ حَرَجٌ، فَأَمَّا أَنْ يَتَحَرَّجَ غَيْرُهُمْ مِنْهُمْ، وَيَنْفِي الْحَرَجَ عَنْهُمْ فَهُوَ قَلْبٌ لِلْقَوْلِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ قُلْ وَلَا رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ فِي نَقْلٍ.
وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي فَإِنَّهُ كَلَامٌ يَنْتَظِمُ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْحَرَجِ عَنْ أَصْحَابِ الزَّمَانَةِ وَعَمَّنْ سِوَاهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِ مَنْ سَمَّى اللَّهُ فَهُوَ كَلَامٌ مُنْتَظِمٌ، وَلَكِنْ بَقِيَ وَجْهُ الْفَائِدَةِ فِي تَخْصِيصِ أَهْلِ الزَّمَانَةِ بِالذِّكْرِ، مَعَ أَنَّ عُمُومَ قَوْلِهِ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا} [النور: ٦١] يَكْفِي فِي تَخْصِيصِهِمْ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَجْهُهُ أَنَّهُ بَدَأَ بِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّهُمْ بِضَرَارَتِهِمْ أَحَقُّ مِنْ الْأَصِحَّاءِ بِالْمُوَاسَاةِ وَالْمُشَارَكَةِ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فَهُوَ أَيْضًا كَلَامٌ مُنْتَظِمٌ، لِأَجْلِ تَخَلُّفِهِمْ عَنْهُمْ فِي الْجِهَادِ، وَبَقَاءِ أَمْوَالِهِمْ بِأَيْدِيهِمْ، لَكِنْ قَوْلُهُ: {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ} [النور: ٦١] قَدْ اقْتَضَاهُ وَأَفَادَهُ، فَأَيُّ مَعْنَى لِتَكْرَارِهِ، فَكَأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ بَعِيدٌ جِدًّا.
وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: ٢٩] فَيَنْتَظِمُ مَعْنًى، لَكِنْ ذِكْرُ الزَّمَانَةِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهِ وَلَا مُنْتَظِمٍ مَعَهُ.
وَأَمَّا الْقَوْلُ الْخَامِسُ فِي أَكْلِ الْأَصِحَّاءِ مَعَ الزَّمْنَى فَذَلِكَ مَدْخُولٌ بِمَا دَخَلَ بِهِ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، مِنْ أَنَّ نِظَامَ الْكَلَامِ فِي نَفْيِ الْحَرَجِ عَنْ النَّاسِ فِي الزَّمْنَى عَنْ الزَّمْنَى فِيهِمْ.
وَأَمَّا السَّادِسُ فَحَسَنٌ جِدًّا، وَكَذَلِكَ السَّابِعُ مِثْلُهُ لَوْ عَضَّدَتْهُ صِحَّةُ النَّقْلِ.
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: فِي الْمُخْتَارِ: وَذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ اللَّهَ رَفَعَ الْحَرَجَ عَنْ الْأَعْمَى فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّكْلِيفِ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ الْبَصَرُ، وَعَنْ الْأَعْرَجِ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِي التَّكْلِيفِ بِهِ الْمَشْيُ، وَمَا يَتَعَذَّرُ مِنْ الْأَفْعَالِ مَعَ وُجُودِ الْحَرَجِ، وَعَنْ الْمَرِيضِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّكْلِيفِ الَّذِي يُؤَثِّرُ الْمَرَضُ فِي إسْقَاطِهِ كَالصَّوْمِ، وَشُرُوطِ الصَّلَاةِ، وَأَرْكَانِهَا، وَالْجِهَادِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute