الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ، وَغَابَتْ عَنْ عَيْنَيْهِ فِي الْمُسَابَقَةِ؛ لِأَنَّ الشَّمْسَ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ؛ وَهَذَا فَاسِدٌ بَلْ قَدْ تَقَدَّمَ عَلَيْهَا دَلِيلٌ، وَهُوَ قَوْلُهُ: (بِالْعَشِيِّ)، كَمَا تَقُولُ: سِرْت بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى غَابَتْ يَعْنِي الشَّمْسَ، وَتَرَكَهَا لِدَلَالَةِ السَّامِعِ لَهَا عَلَيْهَا بِمَا ذَكَرَ مِمَّا يَرْتَبِطُ بِهَا، وَتَعَلَّقَ بِذِكْرِهَا؛ وَالْغَدَاةُ وَالْعَشِيُّ أَمْرٌ مُرْتَبِطٌ بِمَسِيرِ الشَّمْسِ، فَذِكْرُهُ ذِكْرٌ لَهَا، وَقَدْ بَيَّنَّ ذَلِكَ لَبِيدٌ بِقَوْلِهِ:
حَتَّى إذَا أَلْقَتْ يَدًا فِي كَافِرٍ ... وَأَجَنَّ عَوْرَاتِ الثُّغُورِ ظَلَامُهَا
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ فَلَمَّا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ قَالَ: {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} [ص: ٣٢] يَعْنِي الْخَيْلَ، وَسَمَّاهَا خَيْرًا لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْمَالِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ بِتَسْمِيَةِ الشَّارِعِ لَهُ بِذَلِكَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَلِذَلِكَ قَرَأَهَا ابْنُ مَسْعُودٍ: إنِّي أَحْبَبْت حُبَّ الْخَيْلِ بِالتَّصْرِيحِ بِالتَّفْسِيرِ؛ قَالَ: {رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا} [ص: ٣٣] بِسُوقِهَا وَأَعْنَاقِهَا، فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا مَسْحُهَا بِيَدِهِ إكْرَامًا لَهَا، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُئِيَ وَهُوَ يَمْسَحُ عَنْ فَرَسِهِ عَرَقَهُ بِرِدَائِهِ، وَقَالَ: إنِّي عُوتِبْت اللَّيْلَةَ فِي الْخَيْلِ».
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَسَحَ أَعْنَاقَهَا وَسُوقَهَا بِالسُّيُوفِ عَرْقَبَةً، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَكَانَ فِعْلُهُ هَذَا بِهَا حِينَ كَانَ سَبَبًا لِاشْتِغَالِهِ بِهَا عَنْ الصَّلَاةِ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَتَلَهَا، وَهِيَ خَيْلُ الْجِهَادِ؟
قُلْنَا: رَأَى أَنْ يَذْبَحَهَا لِلْأَكْلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute