وَأَمْثَلُهَا تَأْوِيلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ مَعْنَاهُ وَلَمْ يَتُبْ، كَمَا قَالَ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ»، وَكَذَلِكَ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ فِي الْحَرِيرِ أَيْضًا بِنَصِّهِ.
الثَّانِي: وَهُوَ الَّذِي يُقْضَى [بِنَصِّهِ] عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ مَعْنَاهُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ، وَآخِرُ الْأَمْرِ إلَى حُسْنِ الْعَاقِبَةِ وَجَمِيلِ الْمَآلِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي لِبَاسِ الْحَرِيرِ عَلَى تِسْعَةِ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ مُحَرَّمٌ بِكُلِّ حَالٍ.
الثَّانِي: أَنَّهُ مُحَرَّمٌ إلَّا فِي الْحَرْبِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ مُحَرَّمٌ إلَّا فِي السَّفَرِ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ مُحَرَّمٌ إلَّا فِي الْمَرَضِ.
الْخَامِسُ: أَنَّهُ مُحَرَّمٌ إلَّا فِي الْغَزْوِ.
السَّادِسُ: أَنَّهُ مُبَاحٌ بِكُلِّ حَالٍ.
السَّابِعُ: أَنَّهُ مُحَرَّمٌ إلَّا الْعَلَمَ.
الثَّامِنُ: أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.
التَّاسِعُ: أَنَّهُ مُحَرَّمٌ لُبْسُهُ دُونَ فَرْشِهِ؛ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ.
فَأَمَّا كَوْنُهُ مُحَرَّمًا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحُلَّةِ السِّيَرَاءِ: «إنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ»، وَشَبَهُهُ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ مُحَرَّمٌ إلَّا فِي الْحَرْبِ فَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي الْغَزْوِ بِهِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ؛ وَأَنْكَرَهُ مَالِكٌ فِيهِمَا.
وَوَجْهُهُ أَنَّ لِبَاسَ الْحَرِيرِ مِنْ السَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ، وَذَلِكَ أَمْرٌ يُبْغِضُهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا فِي الْحَرْبِ، فَرُخِّصَ فِيهِ مِنْ الْإِرْهَابِ عَلَى الْعَدُوِّ.