الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي تَعْيِينِ هَذِهِ الْمُجَادِلَةِ: وَفِيهِ رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ: قِيلَ هِيَ خَوْلَةُ امْرَأَةُ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ. وَقِيلَ هِيَ خَوْلَةُ بِنْتُ دُلَيْجٍ. وَقِيلَ: بِنْتُ الصَّامِتِ. وَأُمُّهَا مُعَاذَةُ؛ كَانَتْ أَمَةً لِابْنِ أُبَيٍّ. وَفِيهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} [النور: ٣٣] الْآيَةَ.
وَقِيلَ: خَوْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ، وَهِيَ أَشْبَهُهَا؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ ثَعْلَبَةَ جَاءَتْ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
وَهِيَ عَجُوزَةٌ كَبِيرَةٌ، وَالنَّاسُ مَعَهُ، وَهُوَ عَلَى حِمَارٍ قَالَ: فَجَنَحَ إلَيْهَا، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى مَنْكِبِهَا، وَتَنَحَّى النَّاسُ عَنْهَا، فَنَاجَاهَا طَوِيلًا، ثُمَّ انْطَلَقَتْ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، حَبَسْت رِجَالَاتِ قُرَيْشٍ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ. قَالَ: أَتَدْرُونَ مَنْ هِيَ؟ هَذِهِ خَوْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ، سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَهَا مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ؛ فَوَاَللَّهِ لَوْ قَامَتْ هَكَذَا إلَى اللَّيْلِ لَقُمْت مَعَهَا إلَى أَنْ تَحْضُرَ صَلَاةٌ، وَأَنْطَلِقَ لِأُصَلِّيَ ثُمَّ أَرْجِعَ إلَيْهَا.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ كُلَّ شَيْءٍ، إنِّي لَأَسْمَعُ كَلَامَ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ، وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُهُ، وَهِيَ تَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ.
وَفِي تَرَاجِمِ الْبُخَارِيِّ، وَعَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ؛ «قُلْت: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} [المجادلة: ١]».
وَنَصُّهُ عَلَى الِاخْتِصَارِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ «لَمَّا ظَاهَرَ أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ مِنْ امْرَأَتِهِ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ قَالَتْ لَهُ: وَاَللَّهِ مَا أَرَاك إلَّا قَدْ أَثِمْت فِي شَأْنِي، لَبِسْت جِدَّتِي، وَأَفْنَيْت شَبَابِي، وَأَكَلْت مَالِي، حَتَّى إذَا كَبِرَتْ سِنِّي، وَرَقَّ عَظْمِي، وَاحْتَجْت إلَيْك فَارَقْتنِي. قَالَ: مَا أَكْرَهَنِي لِذَلِكَ، اذْهَبِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَانْظُرِي هَلْ تَجِدِينَ عِنْدَهُ شَيْئًا فِي أَمْرِك؟ فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَلَمْ تَبْرَحْ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: ١] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَعْتِقْ رَقَبَةً. قَالَ: لَا أَجِدُ ذَلِكَ. قَالَ: صُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ. قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ ذَلِكَ؛ أَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ. قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute