للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَتَبُوا أَنَّهُ أَسْلَمَ طَوْعًا، وَكَتَبُوا: وَكَانَ إسْلَامُهُ عَلَى يَدَيْ فُلَانٍ، وَكَتَبُوا أَنَّهُ اغْتَسَلَ وَصَلَّى.

فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: وَكَانَ إسْلَامُهُ طَوْعًا فَبَاطِلٌ، فَإِنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ مُكْرَهًا لَصَحَّ إسْلَامُهُ وَلَزِمَهُ، وَقُتِلَ بِالرِّدَّةِ. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: ٢٥٦]؛ وَالْكُفَّارُ إنَّمَا يُقَاتَلُونَ قَسْرًا عَلَى الْإِسْلَامِ فَيُسْتَخْرَجُ مِنْهُمْ بِالسَّيْفِ. وَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ قَتْلِ الْأَسْرَى أَوْ مُفَادَاتِهِمْ بِالْخَمْسَةِ الْأَوْجُهِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِيهِمْ؛ فَإِذَا أَسْلَمَ سَقَطَ حُكْمُ السَّيْفِ عَنْهُ.

وَفِي الصَّحِيحِ: «عَجِبَ رَبُّكُمْ مِنْ قَوْمٍ يُقَادُونَ إلَى الْجَنَّةِ بِالسَّلَاسِلِ».

وَكَذَلِكَ الذِّمِّيُّ لَوْ جَنَى جِنَايَةً فَخَافَ مِنْ مُوجَبِهَا الْقَتْلَ وَالضَّرْبَ فَأَسْلَمَ سَقَطَ عَنْهُ الضَّرْبُ وَالْقَتْلُ، وَكَانَ إسْلَامُهُ كُرْهًا، وَحُكِمَ بِصِحَّتِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْإِكْرَاهُ الْمُسْقِطُ لِلْإِسْلَامِ إذَا كَانَ ظُلْمًا وَبَاطِلًا، مِثْلُ أَنْ يُقَالَ لِلذِّمِّيِّ [ابْتِدَاءً] مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ وَلَا سَبَبٍ: أَسْلِمْ، وَإِلَّا قَتَلْتُك؛ فَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ فَإِنْ أَسْلَمَ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَجَازَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى دِينِهِ عِنْدَ أَمْنِهِ مِمَّا خَافَ مِنْهُ. وَإِذَا ادَّعَى الذِّمِّيُّ أَنَّهُ أُكْرِهَ بِالْبَاطِلِ لَزِمَهُ إثْبَاتُ ذَلِكَ، فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الطَّوَاعِيَةِ بِوَجْهٍ وَلَا حَالٍ فِي كُلِّ كَافِرٍ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: كَانَ إسْلَامُهُ عَلَى يَدِ فُلَانٍ فَأَنَّى عَلَّقُوهَا، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونُوا رَأَوْهُ فِي كُتُبِ الْمُخَالِفِينَ؛ لِأَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ ذَلِكَ فِي شُرُوطِهِمْ لِعِلَّةِ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ الرَّجُلَ إذَا أَسْلَمَ عَلَى

يَدَيْ الرَّجُلِ كَانَ لَهُ وَلَاؤُهُ، وَذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِمَذْهَبٍ لَنَا. وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ وَغَيْرِهَا.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: اغْتَسَلَ وَصَلَّى، فَلَيْسَ يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْعَقْدِ الْمَكْتُوبِ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ صَلَاةٍ، فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ وَلَا وُضُوءَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ صَلَاةٌ.

وَأَمَّا إذَا كَانَ وَقْتَ صَلَاةٍ فَيُؤْمَرُ بِالْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ فَيَفْعَلُهُمَا، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مَكْتُوبًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>