للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهَا ثَمَانِ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي التَّقْوَى: قَدْ بَيَّنَّا حَقِيقَةَ التَّقْوَى فِيمَا تَقَدَّمَ، فَلَا وَجْهَ لِإِعَادَتِهِ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ رَوَى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ١٠٢]: يَقُولُ مُطِيعِينَ قَالَ: فَلَمْ يَدْرِ أَحَدٌ مَا حَقُّ تُقَاتِهِ مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَلَوْ اجْتَمَعَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَلَى أَنْ يَبْلُغُوا حَقَّ تُقَاتِهِ مَا بَلَغُوا. قَالَ: فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَعْلَمَ خَلْقُهُ قُدْرَتَهُ. ثُمَّ نَسَخَهَا وَهَوَّنَ عَلَى خَلْقِهِ بِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦]، فَلَمْ يَدَعْ لَهُمْ مَقَالًا. فَلَوْ قُلْت لِرَجُلٍ: اتَّقِ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ رَأَى أَنَّك كَلَّفْتَهُ شَطَطًا مِنْ أَمْرِهِ. فَإِذَا قُلْت: اتَّقِ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْت رَأَى أَنَّك لَمْ تُكَلِّفْهُ شَطَطًا، وَهِيَ قَوْلُهُ: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: ٣٤]. نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي فِي النَّحْلِ: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: ١٨]. الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ».

وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي مَوَاضِعَ، وَهَا هُنَا، فِيمَا تَقَدَّمَ وَبَيَّنَّا حِكْمَةَ رَبْطِ الْأَمْرِ بِالِاسْتِطَاعَةِ، وَإِطْلَاقِ النَّهْيِ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَهَا هُنَا قَدْ قَرَنَ النَّهْيَ بِالِاسْتِطَاعَةِ أَيْضًا، فَقَالَ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦]. وَعُمُومُ التَّقْوَى يَتَعَلَّقُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَمِنْ النَّهْيِ مَا يَقِفُ عَلَى الِاسْتِطَاعَةِ، وَهُوَ إذًا

تَعَلَّقَ بِأَمْرٍ مَفْعُولٍ. وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>