للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَالَى: {وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ} [البقرة: ٢٢١]؛ وَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ الْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَايَرَ بَيْنَ نِكَاحِ الْأَمَةِ الْمُؤْمِنَةِ وَالْمُشْرِكَةِ، فَلَوْلَا أَنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ الْمُشْرِكَةِ جَائِزٌ لَمَا خَايَرَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُخَايَرَةَ إنَّمَا هِيَ بَيْنَ الْجَائِزَيْنِ، لَا بَيْنَ الْجَائِزِ وَالْمُمْتَنَعِ، وَلَا بَيْنَ الْمُتَضَادَّيْنِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّك لَا تَقُولُ: الْعَسَلُ أَحْلَى مِنْ الْخَلِّ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَجُوزُ الْمُخَايَرَةُ بَيْنَ الْمُتَضَادَّيْنِ لُغَةً وَقُرْآنًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا} [الفرقان: ٢٤] وَلَا خَيْرَ عِنْدَ أَهْلِ النَّارِ. وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رِسَالَتِهِ إلَى أَبِي مُوسَى: " الرُّجُوعُ إلَى الْحَقِّ خَيْرٌ مِنْ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ ".

الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} [البقرة: ٢٢١] ثُمَّ لَمَّا لَمْ يَجُزْ نِكَاحُ الْعَبْدِ الْمُشْرِكِ لِلْمُؤْمِنَةِ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُسْلِمِ لِلْمُشْرِكَةِ؛ إذْ لَوْ دَلَّ أَحَدُ الْقِسْمَيْنِ عَلَى الْمُرَادِ لَدَلَّ الْآخَرُ عَلَى مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا سِيقَتَا فِي الْبَيَانِ مَسَاقًا وَاحِدًا.

الثَّالِثُ: قَوْله تَعَالَى: {وَلأَمَةٌ} [البقرة: ٢٢١] لَمْ يُرِدْ بِهِ الرَّقِيقَ الْمَمْلُوكَ؛ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ: الْآدَمِيَّةُ وَالْآدَمِيَّاتُ، وَالْآدَمِيُّونَ بِأَجْمَعِهِمْ عَبِيدُ اللَّهِ وَإِمَاؤُهُ؛ قَالَهُ الْقَاضِي بِالْبَصْرَةِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ.

التَّنْقِيحُ: كُلُّ كَافِرٍ بِالْحَقِيقَةِ مُشْرِكٌ؛ وَلِذَلِكَ يُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَرِهَ نِكَاحَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة، وَقَالَ: أَيُّ شِرْكٍ أَعْظَمُ مِمَّنْ يَقُولُ: عِيسَى هُوَ اللَّهُ أَوْ وَلَدُهُ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.

فَإِنْ حَمَلْنَا اللَّفْظَ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَهُوَ عَامٌّ خَصَّصَتْهُ آيَةُ سُورَةِ النِّسَاءِ وَلَمْ تَنْسَخْهُ؛ وَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْعُرْفِ فَالْعُرْفُ إنَّمَا يَنْطَلِقُ فِيهِ لَفْظُ الْمُشْرِكِ عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ كِتَابٌ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>