الشَّافِعِيُّ: لَا تَصِحُّ إلَّا بِالْقَوْلِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ التَّابِعُونَ قَدِيمًا، بَيْدَ أَنَّ عُلَمَاءَنَا قَالُوا: إنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَكُونُ بِالْفِعْلِ، حَتَّى تَقْتَرِنَ بِهِ النِّيَّةُ، فَيَقْصِدَ بِالْوَطْءِ أَوْ الْقُبْلَةِ الرَّجْعَةَ وَبِالْمُبَاشَرَةِ كُلَّهَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَاللَّيْثُ: الْوَطْءُ مُجَرَّدًا رَجْعَةٌ، وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَصْلٍ، هُوَ: الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ هَلْ الرَّجْعِيَّةُ مُحَرِّمَةُ الْوَطْءِ أَمْ لَا؟ فَعِنْدَنَا أَنَّهَا مُحَرِّمَةُ الْوَطْءِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَعَطَاءٌ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَطْؤُهَا مُبَاحٌ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي إحْدَى رِوَايَتَيْهِ.
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ طَلَاقٌ لَا يَقْطَعُ النِّكَاحَ؛ فَلَمْ يُحَرِّمْ الْوَطْءَ، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ. وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ بِقُدُومِ زَيْدٍ لَمْ يَقَعْ، هَذَا طَلَاقٌ وَاقِعٌ فَيَجِبُ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي تَحْرِيمِ الْوَطْءِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْعَقْدِ، لَا سِيَّمَا وَهِيَ جَارِيَةٌ [بِهِ] إلَى بَيْنُونَةٍ خَارِجَةٍ عَنْ الْعِصْمَةِ؛ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا مُحَرِّمَةُ الْوَطْءِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الرَّدِّ، وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ مَعَهُ الرَّدُّ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَكُونُ الرَّجْعَةُ بِالْفِعْلِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ بِالْقَوْلِ وَلَا مُعْتَمَدَ لَهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَلَنَا كُلُّ ذَلِكَ؛ فَأَمَّا الْقُرْآنُ فَقَوْلُهُ: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: ٢]؛ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ؛ إذْ الْإِمْسَاكُ يَكُونُ بِهِمَا عَادَةً، وَيَكُونُ شَرْعًا، أَلَا تَرَى أَنَّ خِيَارَ الْمُعْتَقَةِ يَكُونُ إمْسَاكُهَا بِالْقَوْلِ بِأَنْ تَقُولَ: اخْتَرْت، وَبِالْفِعْلِ بِأَنْ تُمَكِّنَ مِنْ وَطْئِهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: ٢٢٨] وَالرَّدُّ يَكُونُ تَارَةً بِالْقَوْلِ، وَتَارَةً بِالْفِعْلِ.
وَمِنْ عَجِيبِ الْأَمْرِ أَنَّ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلَيْنِ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ أَمْسَكْتهَا، هَلْ يَكُونُ رَجْعَةً أَمْ لَا؟ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُظَفَّرٍ الطَّبَرِيُّ: لَا يَكُونُ رَجْعَةً؛ لِأَنَّ اسْتِبَاحَةَ الْوَطْءِ لَا تَكُونُ إلَّا بِلَفْظَيْنِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute