للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: ٤].

وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِهِ، وَقَدَّرْنَا لِلْكَبِيرِ نَفَقَةً لِشِبَعِهِ وَكِسْوَتِهِ وَمُلَاءَتِهِ.

وَأَمَّا الصَّغِيرُ الَّذِي لَا يَأْكُلُ الطَّعَامَ فَلِأُمِّهِ أَجْرُهَا بِالْمِثْلِ إذَا شَطَّتْ عَلَى الْأَبِ، وَالْمُفْتُونَ مِنَّا يُقَدِّرُونَهَا بِالطَّعَامِ وَالْإِدَامِ، وَلَيْسَ لَهَا تَقْدِيرٌ إلَّا بِالْمِثْلِ مِنْ الدَّرَاهِمِ لَا مِنْ الطَّعَامِ. وَأَمَّا إذَا أَكَلَ فَيُفْرَضُ لَهُ قَدْرُ مَأْكَلِهِ وَمَلْبَسِهِ عَلَى قَدْرِ الْحَالِ. كَمَا قَدَّمْنَا.

وَفَرَضَ عُمَرُ لِلْمَنْفُوسِ مِائَةَ دِرْهَمٍ، وَفَرَضَ لَهُ عُثْمَانُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا. وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الِاخْتِلَافُ بِحَسَبِ حَالِ السِّنِينَ، أَوْ بِحَسَبِ حَالِ الْقَدْرَ فِي التَّسْعِيرِ لِثَمَنِ الْقُوتِ وَالْمَلْبَسِ.

وَقَدْ رَوَى نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ لَا يَفْرِضُ لِلْمَوْلُودِ حَتَّى يُطْعَمَ، ثُمَّ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: لَا تُعَجِّلُوا أَوْلَادَكُمْ عَنْ الْفِطَامِ، فَإِنَّا نَفْرِضُ لِكُلِّ مَوْلُودٍ فِي الْإِسْلَامِ.

وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ هِلَالٍ الْمُزَنِيّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي وَجَدَّتِي أَنَّهَا كَانَتْ تَرِدُ عَلَى عُثْمَانَ فَفَقَدَهَا، فَقَالَ لِأَهْلِهِ: مَالِي لَا أَرَى فُلَانَةَ؟ فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَدَتْ اللَّيْلَةَ، فَبَعَثَ إلَيْهَا بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَشُقَيْقَةً أَنْبِجَانِيَّةً ثُمَّ قَالَ: هَذَا عَطَاءُ ابْنِك، وَهَذِهِ كِسْوَتُهُ، فَإِذَا مَرَّتْ لَهُ سَنَةٌ رَفَعْنَاهُ إلَى مِائَةٍ.

وَقَدْ أَتَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِمَنْبُوذٍ، فَفَرَضَ لَهُ مِائَةً.

وَقَالَ الْقَاضِي: هَذَا الْفَرْضُ قَبْلَ الْفِطَامِ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ، فَمِنْهُمْ مَنْ رَآهُ مُسْتَحَبًّا؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي حُكْمِ الْآيَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَآهُ وَاجِبًا لِمَا تَجَدَّدَ مِنْ حَاجَتِهِ وَعَرَضَ مِنْ مُؤْنَتِهِ، وَبِهِ أَقُولُ؛ وَلَكِنْ يَخْتَلِفُ قَدْرُهُ بِحَالِهِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ، وَبِحَالِهِ عِنْدَ الْفِطَامِ. وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ بْنُ وَهْبٍ أَنَّ عُمَرَ أَخَذَ الْمُدَّ بِيَدٍ وَالْقِسْطَ بِيَدٍ، وَقَالَ: إنِّي فَرَضْت لِكُلِّ نَفْسٍ مُسْلِمَةٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ مُدَّيْ حِنْطَةٍ وَقِسْطَيْ خَلٍّ، وَقِسْطَيْ زَيْتٍ. زَادَ غَيْرُهُ، وَقَالَ: إنَّا قَدْ أَجَزْنَا لَكُمْ أَعْطِيَاتِكُمْ وَأَرْزَاقَكُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ. فَمَنْ انْتَقَصَهَا فَعَلَ اللَّهُ بِهِ كَذَا وَكَذَا، وَدَعَا عَلَيْهِ.

قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: كَمْ سُنَّةٍ رَاشِدَةٍ مَهْدِيَّةٍ قَدْ سَنَّهَا عُمَرُ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[وَالْمُدُّ] وَالْقِسْطُ كَيْلَانِ شَامِيَّانِ فِي الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ، وَقَدْ دُرِسَا بِعُرْفٍ آخَرَ؛ فَأَمَّا الْمُدُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>