للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى لَمَّا قَالَ لِنُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود: ٣٦] حِينَ اسْتَنْفَدَ مَا فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَمَا فِي أَرْحَامِ النِّسَاءِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، دَعَا عَلَيْهِمْ نُوحٌ بِقَوْلِهِ: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: ٢٦] فَأَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَهُ، وَأَغْرَقَ أُمَّتَهُ. وَهَذَا كَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، سَرِيعَ الْحِسَابِ، هَازِمَ الْأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ».

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ دَعَا نُوحٌ عَلَى الْكَافِرِينَ أَجْمَعِينَ، وَدَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَنْ تَحَزَّبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّبَ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ هَذَا أَصْلًا فِي الدُّعَاءِ عَلَى الْكُفَّارِ فِي الْجُمْلَةِ، فَأَمَّا كَافِرٌ مُعَيَّنٌ لَمْ تُعْلَمْ خَاتِمَتُهُ فَلَا يُدْعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَآلَهُ عِنْدَنَا مَجْهُولٌ، وَرُبَّمَا كَانَ عِنْدَ اللَّهِ مَعْلُومَ الْخَاتِمَةِ لِلسَّعَادَةِ؛ وَإِنَّمَا خَصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدُّعَاءَ عَلَى عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ وَأَصْحَابِهِ لِعِلْمِهِ بِمَآلِهِمْ، وَمَا كُشِفَ لَهُ مِنْ الْغِطَاء عَنْ حَالِهِمْ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ إنْ قِيلَ: لِمَ جَعَلَ نُوحٌ دَعْوَتَهُ عَلَى قَوْمِهِ سَبَبًا لِتَوَقُّفِهِ عَنْ طَلَبِ الشَّفَاعَةِ لِلْخَلْقِ مِنْ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ.

قُلْنَا: قَالَ النَّاسُ: فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ تِلْكَ الدَّعْوَةَ نَشَأَتْ عَنْ غَضَبٍ وَقَسْوَةٍ؛ وَالشَّفَاعَةُ تَكُونُ عَنْ رِضًا وَرِقَّةٍ، فَخَافَ أَنْ يُعَاتَبَ بِهَا، فَيُقَالُ: دَعَوْت عَلَى الْكُفَّارِ بِالْأَمْسِ وَتَشْفَعُ لَهُمْ الْيَوْمَ.

الثَّانِي: أَنَّهُ دَعَا غَضَبًا بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إذْنٍ صَرِيحٍ فِي ذَلِكَ؛ فَخَافَ الدَّرْكَ فِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ مُوسَى: إنِّي قَتَلْت نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا. وَبِهَذَا أَقُولُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَتَمَامُهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>