نُوحٌ نَشَدْتُكُمْ الْعَهْدَ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُمْ سُلَيْمَانُ أَلَّا تُؤْذُونَا، فَإِنْ رَأَيْتُمْ مِنْهُنَّ شَيْئًا بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُنَّ.» الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ فِي التَّقْدِيمِ إلَى الْحَيَّاتِ يَقُولُ يَا عَبْدَ اللَّهِ؛ إنْ كُنْت تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَكُنْت مُسْلِمًا فَلَا تُؤْذِنَا وَلَا تَشْعَفْنَا، وَلَا تُرَوِّعْنَا، وَلَا تَبْدُوَنَّ لَنَا، فَإِنَّك إنْ تَبْدُ بَعْدَ ثَلَاثٍ قَتَلْتُك. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: يُحَرِّجُ عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَلَّا يَبْدُوَ لَنَا، وَلَا يَخْرُجُ.
وَقَالَ أَيْضًا عَنْهُ: أُحَرِّجُ عَلَيْك بِأَسْمَاءِ اللَّهِ أَلَّا تَبْدُوَ لَنَا.
قَالَ الْقَاضِي: ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مَعَ أَصْحَابِهِ فِي غَارٍ، وَهُوَ يَقْرَأُ: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا} [المرسلات: ١] وَإِنَّ فَاهُ لَرَطْبٌ بِهَا، حَتَّى خَرَجَتْ حَيَّةٌ مِنْ غَارٍ، فَبَادَرْنَاهَا، فَدَخَلَتْ جُحْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وُقِيَتْ شَرَّكُمْ، وَوُقِيتُمْ شَرَّهَا؛ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِنْذَارٍ وَلَا تَحْرِيجٍ» لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مِنْ عَوَامِرِ الْبُيُوتِ.
وَأَمَرَ فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ إنْذَارٍ وَلَا تَحْرِيجٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْإِنْذَارِ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ فِي الْحَضَرِ، لَا لِمَنْ يَكُونُ فِي الْقَفْرِ، وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْمَدِينَةِ، لِقَوْلِهِ فِي الصَّحِيحِ: إنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا أَسْلَمُوا. وَهَذَا لَفْظٌ مُخْتَصٌّ بِهَا، فَتَخْتَصُّ بِحُكْمِهَا.
قُلْنَا: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهَا مِنْ الْبُيُوتِ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّلْ بِحُرْمَةِ الْمَدِينَةِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ الْحُكْمُ مَخْصُوصًا بِهَا، وَإِنَّمَا عَلَّلَ بِالْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ عَامٌّ فِي غَيْرِهَا، أَلَا تَرَى قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ مُخْبِرًا عَنْ الْجِنِّ الَّذِينَ لَقِيَ؛ فَرُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ جِنِّ الْجَزِيرَةِ، وَهَذَا بَيِّنٌ يُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ: وَنَهَى عَنْ عَوَامِرِ الْبُيُوتِ، وَهَذَا عَامٌّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute