للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالِثُ: لَا تُعْطِ عَطِيَّةً تَنْتَظِرُ ثَوَابَهَا.

الرَّابِعُ: وَلَا تَمْنُنْ بِالنُّبُوَّةِ عَلَى النَّاسِ تَأْخُذُ أَجْرًا مِنْهُمْ عَلَيْهَا.

الْخَامِسُ: لَا تَمْنُنْ بِعَمَلِك [تَسْتَكْثِرُهُ] عَلَى رَبِّك؛ قَالَهُ الْحَسَنُ السَّادِسُ لَا تَضْعُفْ عَنْ الْخَيْرِ أَنْ تَسْتَكْثِرَ مِنْهُ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ هَذِهِ الْأَقْوَالُ يَتَقَارَبُ بَعْضُهَا، وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ؛ فَأَمَّا قَوْلُهُ: " لَا تُعْطِ عَطِيَّةً فَتَطْلُبُ أَكْثَرَ مِنْهَا " فَهَذَا لَا يَلِيقُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَا يُنَاسِبُ مَرْتَبَتَهُ.

وَقَدْ قَالَ: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} [الروم: ٣٩] عَلَى مَا بَيَّنَّا مَعْنَاهُ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ، وَيُثِيبُ عَلَيْهَا».

وَفِي الصَّحِيحِ فِي الْحَدِيثِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ دُعِيت إلَى كُرَاعٍ لَأَجَبْت، وَلَوْ أُهْدِيَ إلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْت». وَلَفْظُهُ مُخْتَلِفٌ فَكَانَ يَقْبَلُهَا سُنَّةً، وَلَا يَسْتَكْثِرُهَا شِرْعَةً؛ وَإِذَا كَانَ لَا يُعْطِي عَطِيَّةً يَسْتَكْثِرُ بِهَا فَالْأَغْنِيَاءُ أَوْلَى بِالِاجْتِنَابِ، لِأَنَّهَا بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْمَذَلَّةِ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ مَعْنَاهُ لَا تُعْطِ عَطِيَّةً تَنْتَظِرُ ثَوَابَهَا؛ فَإِنَّ الِانْتِظَارَ تَعَلَّقَ بِالْإِطْمَاعِ؛ وَذَلِكَ فِي حَيِّزِهِ بِحُكْمِ الِامْتِنَاعِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: ١٣١].

وَذَلِكَ جَائِزٌ لِسَائِرِ الْخَلْقِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَتَاعِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَطَلَبِ الْكَسْبِ فِيهَا وَالتَّكَاثُرِ مِنْهَا. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: أَرَادَ بِهِ الْعَمَلَ، أَيْ لَا تَسْتَكْثِرْ بِهِ عَلَى رَبِّك فَهُوَ صَحِيحٌ؛ فَإِنَّ ابْنَ آدَمَ لَوْ أَطَاعَ اللَّهَ عُمْرَهُ مِنْ غَيْرِ فُتُورٍ لَمَا بَلَغَ لِنِعَمِ اللَّهِ بَعْضَ الشُّكْرِ. وَهَذَا كُلُّهُ بُنِيَ عَلَى أَصْلٍ وَهِيَ:

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: {تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: ٦] قَدْ وَرَدَتْ الْقِرَاءَاتُ بِالرِّوَايَاتِ فِيهِ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ.

وَرُوِيَ بِضَمِّ الرَّاءِ، فَإِذَا أَسْكَنْت الرَّاءَ كَانَتْ جَوَابًا لِلْأَمْرِ بِالتَّقَلُّلِ، فَيَكُونُ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ. وَإِنْ ضَمَمْت الرَّاءَ كَانَ الْفِعْلُ بِتَقْدِيرِ الِاسْمِ، وَكَانَ بِمَعْنَى الْحَالِ.

وَالتَّقْدِيرُ: وَلَا تَمْنُنْ مُسْتَكْثِرًا، وَكَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ، وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَصْلٍ وَهِيَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>