الثَّانِي: الِاغْتِسَالُ بِالْمَاءِ.
فَوَقَفَ الْحُكْمُ وَهُوَ جَوَازُ الْوَطْءِ عَلَى الشَّرْطَيْنِ، وَصَارَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: ٦] فَعَلَّقَ الْحُكْمَ وَهُوَ جَوَازُ دَفْعِ الْمَالِ عَلَى شَرْطَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: بُلُوغُ النِّكَاحِ، وَالثَّانِي: إينَاسُ الرُّشْدِ.
فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَصِحَّ ثُبُوتُهُ بِأَحَدِهِمَا، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] ثُمَّ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِاشْتِرَاطِ الْوَطْءِ؛ فَوَقَفَ التَّحْلِيلُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا، وَهُمَا انْعِقَادُ النِّكَاحِ، وَوُقُوعُ الْوَطْءِ، وَعَلَى هَذَا عَوَّلَ الْجُوَيْنِيُّ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ فَإِنَّهُ مَدَّ التَّحْرِيمَ إلَى غَايَةٍ، وَهِيَ انْقِطَاعُ الدَّمِ، وَمَا بَعْدَ الْغَايَةِ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهَا، فَوَجَبَ أَنْ يَحْصُلَ الْجَوَازُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ لِسَبَبِ حُكْمِ الْغَايَةِ.
قُلْنَا: إنَّمَا يَكُونُ حُكْمُ الْغَايَةِ مُخَالِفًا لِمَا قَبْلَهَا إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً، فَأَمَّا إذَا انْضَمَّ إلَيْهَا شَرْطٌ آخَرُ فَإِنَّمَا يَرْتَبِطُ الْحُكْمُ بِمَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِ مِنْ الشَّرْطِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: ٦]؛ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] وَكَمَا بَيَّنَّاهُ.
فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ هَذَا تَجْدِيدَ شَرْطٍ زَائِدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إعَادَةٌ لِلْكَلَامِ، كَمَا تَقُولُ: لَا تُعْطِ زَيْدًا شَيْئًا حَتَّى يَدْخُلَ الدَّارَ، فَإِذَا دَخَلَ فَأَعْطِهِ؛ وَحَمْلُهُ عَلَى هَذَا أَوْلَى مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَحْفَظُ حُكْمَ الْغَايَةِ وَيُقِرُّهَا عَلَى أَصْلِهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ لَفْظِ الشَّرْطِ أَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي الْغَايَةِ.
فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ تِسْعَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّا نَقُولُ: رَوَى عَطِيَّةُ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: " فَإِذَا تَطَهَّرْنَ بِالْمَاءِ "، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ.