أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَإِنَّهُ يُيَسَّرُ لِعَمَلِ الشَّقَاءِ. ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} [الليل: ٥] {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: ٦] {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: ٧] {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} [الليل: ٨] إلَى قَوْلِهِ: {لِلْعُسْرَى} [الليل: ١٠]».
«وَسَأَلَ غُلَامَانِ شَابَّانِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَا: الْعَمَلُ فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ، وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ أَمْ فِي شَيْءٍ يُسْتَأْنَفُ؟ فَقَالَ: بَلْ فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ.
فَقَالَا: فَفِيمَ الْعَمَلُ إذَنْ؟ قَالَ: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِعَمَلِهِ الَّذِي خُلِقَ لَهُ. قَالَا: فَالْآنَ نَجِدُّ وَنَعْمَلُ».
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ قَوْلُهُ: {بَخِلَ} [الليل: ٨]: قَدْ بَيَّنَّا حَقِيقَةَ الْبُخْلِ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَأَنَّهُ مَنْعُ الْوَاجِبِ؛ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ.» الْحَدِيثَ إلَى آخِرِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ قَوْلُهُ: {وَاسْتَغْنَى} [الليل: ٨]: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اسْتَغْنَى عَنْ اللَّهِ، وَهُوَ كُفْرٌ؛ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ، وَهُمْ فُقَرَاءُ إلَيْهِ، وَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ. وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ اسْتَغْنَى بِالدُّنْيَا عَنْ الْآخِرَةِ، فَرَكَنَ إلَى الْمَحْسُوسِ، وَآمَنَ بِهِ، وَضَلَّ عَنْ الْمَعْقُولِ، وَكَذَّبَ بِهِ، وَرَأَى أَنَّ رَاحَةَ النَّقْدِ خَيْرٌ مِنْ رَاحَةِ النَّسِيئَةِ، وَضَلَّ عَنْ وَجْهِ النَّجَاةِ، وَرِبْحِ التِّجَارَةِ الَّتِي اتَّفَقَ الْعُقَلَاءُ عَلَى طَلَبِهَا بِإِسْلَامِ دِرْهَمٍ إلَى غَنِيٍّ وَفِيٍّ لِيَأْخُذَ عَشْرَةً فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَاَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَهُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، وَالْخَلْقُ مِلْكُهُ، أَمَرَ بِالْعَمَلِ وَنَدَبَ إلَى النَّصَبِ، وَوَعَدَ عَلَيْهِ بِالثَّوَابِ؛ فَالْحَرَامُ مَعْقُولًا، وَالْوَاجِبُ مَنْقُولًا امْتِثَالَ أَمْرِهِ، وَارْتِقَابَ وَعْدِهِ، وَهَذَا مُنْتَهَى الْحُكْمِ فِي الْآيَةِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْبَيَانِ مَا يَخْرُجُ عَنْ الْمَقْصُودِ فَأَرْجَأْته إلَى مَكَانِهِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute