الْفَصْلُ الثَّانِي: مِنْ عُلَمَائِنَا مَنْ زَاحَمَ عَلَى الْآيَةِ بِعَدَدٍ، وَاسْتَنَدَ فِيهَا إلَى رُكْنٍ، وَتَعَلَّقَ مِنْهَا بِسَبَبٍ مَتِينٍ؛ قَالُوا: يَصِحُّ التَّعَلُّقُ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْقُرْءَ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ جَمِيعًا، وَالْمُرَادُ أَحَدُهُمَا، فَيَجِبُ إذَا قَعَدَتْ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ يَنْطَلِقُ عَلَيْهَا هَذَا الِاسْمُ أَنْ يَصِحَّ لَهَا قَضَاءُ التَّرَبُّصِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِأَوَائِلِ الْأَسْمَاءِ كَمَا قُلْنَا فِي الشَّفَقَيْنِ وَاللَّمْسَيْنِ وَالْأَبَوَيْنِ: إنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالشَّفَقِ الْأَوَّلِ، وَالْوُضُوءُ يَجِبُ بِاللَّمْسِ الْأَوَّلِ قَبْلَ الْوَطْءِ، وَإِنَّ الْحَجْبَ يَكُونُ لِلْأَبِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَهُوَ الْجَدُّ؛ وَهُمْ مُخَالِفُونَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَيْهِ أَجْمَعِهِ فِي مَوْضِعِهِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] فَذَكَرَهُ وَأَثْبَتَ الْهَاءَ فِي الْعَدَدِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الطُّهْرَ الْمُذَكَّرَ، وَلَوْ أَرَادَ الْحَيْضَةَ الْمُؤَنَّثَةَ لَأَسْقَطَ الْهَاءَ، وَقَالَ: ثَلَاثَ قُرُوءٍ؛ فَإِنَّ الْهَاءَ تَثْبُتُ فِي عَدَدِ الْمُذَكَّرِ مِنْ الثَّلَاثَةِ إلَى الْعَشَرَةِ وَتَسْقُطُ فِي عَدَدِ الْمُؤَنَّثِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ مُطَلَّقَ الْأَمْرِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ مَحْمُولٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا عَلَى رَأَيْنَا فِي أَنَّ الْقُرْءَ الطُّهْرُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُطَلِّقُ فِي الطُّهْرِ لَا فِي الْحَيْضِ، فَلَوْ طَلَّقَ فِي الطُّهْرِ وَلَمْ تَعْتَدَّ إلَّا بِالْحَيْضِ الْآتِي بَعْدَهُ لَكَانَ ذَلِكَ تَرَاخِيًا عَنْ الِامْتِثَالِ لِلْأَمْرِ؛ وَهَذِهِ الْوُجُوهُ وَإِنْ كَانَتْ قَوِيَّةً فَإِنَّهَا تَفْتَحُ مِنْ الْأَسْئِلَةِ أَبْوَابًا رُبَّمَا عَسُرَ إغْلَاقُهَا، فَأَوْلَى لَكُمْ التَّمَسُّكُ بِمَا تَقَدَّمَ.
الْفَصْلُ الثَّالِثُ: قَالُوا: إذَا جَعَلْتُمْ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارَ فَقَدْ تَرَكْتُمْ نَصَّ الْآيَةِ فِي جَعْلِهَا ثَلَاثَةً، لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ قَبْل الْحَيْضِ بِلَيْلَةٍ لَكَانَ عِنْدَكُمْ قُرْءًا مُعْتَدًّا بِهِ وَلَيْسَ بِعَدَدٍ.
قُلْنَا لَهُ: أَمَا إذَا بَلَغْنَا لِهَذَا الْمُنْتَهَى فَالْمَسْأَلَةُ لَنَا، وَمَأْخَذُ الْقَوْلِ فِي الْمَسْأَلَةِ سَهْلٌ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ يُطْلَقُ عَلَى الْكُلِّ فِي إطْلَاقِ الْعَدَدِ وَغَيْرِهِ لُغَةً مَشْهُورَةً عِنْدَ الْعَرَبِ، وَقُرْآنًا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: ١٩٧] وَهِيَ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَبَعْضُ ذِي الْحِجَّةِ، فَالْمُخَالِفُ إنْ رَاعَى ظَاهِرَ الْعَدَدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute