للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يُلَامَانِ عَلَى ذَلِكَ، فَنَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْ إيتَاءِ الْمَالِ إلَيْهِمْ، وَتَمْكِينِهِمْ مِنْهُ، وَجَعْلِهِ فِي أَيْدِيهِمْ؛ وَيَجُوزُ هِبَةُ ذَلِكَ لَهُمْ، فَيَكُونُ لِلسُّفَهَاءِ مِلْكًا وَلَكِنْ لَا يَكُونُ لَهُمْ عَلَيْهِ يَدٌ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْله تَعَالَى: {أَمْوَالَكُمُ} [النساء: ٥] اُخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْإِضَافَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا حَقِيقَةٌ، وَالْمُرَادُ نَهْيُ الرَّجُلِ أَوْ الْمُكَلَّفِ أَنْ يُؤْتِيَ مَالَهُ سُفَهَاءَ أَوْلَادِهِ؛ فَيُضَيِّعُونَهُ وَيَرْجِعُونَ عِيَالًا عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَهْيُ الْأَوْلِيَاءِ عَنْ إيتَاءِ السُّفَهَاءِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَإِضَافَتِهَا إلَى الْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْخَلْقِ، تَنْتَقِلُ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ، وَتَخْرُجُ عَنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩] مَعْنَاهُ: لَا يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا؛ فَيُقْتَلُ الْقَاتِلُ فَيَكُونُ قَدْ قَتَلَ نَفْسَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا أُعْطِيَ الْمَالُ سَفِيهًا فَأَفْسَدَهُ رَجَعَ النُّقْصَانُ إلَى الْكُلِّ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجَمِيعُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: ٥] وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ حَالٍ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النساء: ٥] لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ وَلِيَّ الْيَتِيمِ؛ فَهُوَ مُخَاطَبٌ بِالتَّقْدِيرِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ اشْتَرَاك الْخَلْقِ فِي الْأَمْوَالِ، وَإِنْ كَانَ الْمُخَاطَبُ بِهِ الْآبَاءَ، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا} [النساء: ٥] الْمَعْنَى: لَا تَجْمَعُوا بَيْنَ الْحِرْمَانِ وَجَفَاءِ الْقَوْلِ لَهُمْ، وَلَكِنْ حَسِّنُوا لَهُمْ الْكَلَامَ؛ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِوَلِيِّهِ: أَنَا أَنْظُرُ إلَيْكَ، وَهَذَا الِاحْتِيَاطُ يَرْجِعُ نَفْعُهُ إلَيْكَ. وَيَقُولُ الْأَبُ لِابْنِهِ: مَالِي إلَيْكَ مَصِيرُهُ، وَأَنْتَ إنْ شَاءَ اللَّهُ صَاحِبُهُ إذَا مَلَكْتُمْ رُشْدَكُمْ وَعَرَفْتُمْ تَصَرُّفَكُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>