للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَعْرِفَةُ بِالسَّعْيِ فِي مَصَالِحِهِ، وَضَبْطِ مَالِهِ، أَوْ الْإِهْمَالُ لِذَلِكَ؛ فَإِذَا تَوَسَّمَ الْخَيْرَ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: لَا بَأْسَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ، وَهُوَ الثَّانِي، وَيَكُونُ يَسِيرًا، وَيُبِيحُ لَهُ التَّصَرُّفَ فِيهِ؛ فَإِنْ نَمَّاهُ وَأَحْسَنَ النَّظَرَ فِيهِ فَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِيَارُ، فَلْيُسْلِمْ إلَيْهِ مَالَهُ جَمِيعَهُ، وَإِنْ أَسَاءَ النَّظَرَ فِيهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إمْسَاكُ مَالِهِ عَنْهُ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: ٦] يَعْنِي: الْقُدْرَةَ عَلَى الْوَطْءِ، وَذَلِكَ فِي الذُّكُورِ بِالِاحْتِلَامِ، فَإِنْ عَدِمَ فَالسِّنُّ، وَذَلِكَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فِي رِوَايَةٍ، وَثَمَانِي عَشْرَةَ فِي أُخْرَى. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ ابْنَ عُمَرَ فِي أُحُدٍ ابْنَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَجَوَّزَهُ فِي الْخَنْدَقِ ابْنَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً»، وَقَضَى بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَاخْتَارَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ.

قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ نَظَرًا إلَى إطَاقَةِ الْقِتَالِ لَا إلَى الِاحْتِلَامِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا دَلِيلًا فَكُلُّ عَدَدٍ مِنْ السِّنِينَ يُذْكَرُ فَإِنَّهُ دَعْوَى، وَالسِّنُّ الَّتِي اعْتَبَرَهَا النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْلَى مِنْ سِنٍّ لَمْ يَعْتَبِرْهَا، وَلَا قَامَ فِي الشَّرْعِ دَلِيلٌ عَلَيْهَا. وَكَذَلِكَ اعْتَبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِنْبَاتَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ؛ فَمَنْ عَذِيرِي مِمَّنْ يَتْرُكُ أَمْرَيْنِ اعْتَبَرَهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَتَأَوَّلُهُ وَيَعْتَبِرُ مَا لَمْ يَعْتَبِرْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَفْظًا، وَلَا جَعَلَ لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ نَظَرًا. وَأَمَّا الْإِنَاثُ فَلَا بُدَّ فِي شَرْطِ اخْتِيَارِهِنَّ مِنْ وُجُودِ نَفْسِ الْوَطْءِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا، وَحِينَئِذٍ يَقَعُ الِابْتِلَاءُ فِي الرُّشْدِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: وَجْهُ اخْتِيَارِ الرُّشْدِ فِي الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْبُلُوغُ إلَى الْقُدْرَةِ عَلَى النِّكَاحِ؛ وَالْحِكْمَةُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا حَسْبَمَا رَآهُ مَالِكٌ قَدْ قَرَّرْنَاهَا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ؛ نُكْتَتُهُ أَنَّ الذَّكَرَ بِتَصَرُّفِهِ وَمُلَاقَاتِهِ لِلنَّاسِ مِنْ أَوَّلِ نَشْأَتِهِ إلَى بُلُوغِهِ يَحْصُلُ بِهِ الِاخْتِبَارُ، وَيَكْمُلُ عَقْلُهُ بِالْبُلُوغِ فَيَحْصُلُ لَهُ الْغَرَضُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>