فَمَنَعَ مِنْهُ، فَإِنْ فَعَلَ قَضَى. وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ، أَيْ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَيَقْضِي كَمَا يَقْضِي الْمُضْطَرُّ إلَى الْمَالِ فِي الْمَخْمَصَةِ. قَالَ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ، فِي قَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: ٦] ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ أَكَلَ. الْمَعْنَى: فَإِذَا رَدَدْتُمْ مَا أَكَلْتُمْ فَأَشْهِدُوا إذَا غَرِمْتُمْ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي؛ لِأَنَّ النَّظَرَ لَهُ؛ فَيَتَعَيَّنُ بِهِ الْأَكْلُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالْمَعْرُوفُ هُوَ حَقُّ النَّظَرِ؛ وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُقَارِضُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَيَأْكُلُ حَظَّهُ مِنْ الرِّبْحِ، فَكَذَلِكَ يَأْخُذُ مِنْ صَمِيمِ الْمَالِ بِمِقْدَارِ النَّظَرِ؛ هَذَا إذَا كَانَ فَقِيرًا؛ أَمَّا إذَا كَانَ غَنِيًّا فَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَهُ بِالْعِفَّةِ وَالْكَفِّ عَنْهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَوْلُ عُمَرَ: " أَنَا كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ إنْ اسْتَغْنَيْت تَرَكْت " أَلَيْسَ يَجُوزُ لِلْغَنِيِّ الْأَكْلُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؟ كَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ إنْ كَانَ غَنِيًّا الْأَكْلُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ؟ قُلْنَا عَنْهُ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَوْلَ عُمَرَ: " أَنَا كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ إنْ اسْتَغْنَيْت " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخَلِيفَةَ لَيْسَ كَالْوَصِيِّ، وَلَكِنَّ عُمَرَ بِوَرَعِهِ جَعَلَ نَفْسَهُ كَالْوَصِيِّ.
الثَّانِي: أَنَّ الَّذِي يَأْكُلُهُ الْخُلَفَاءُ وَالْوُلَاةُ وَالْفُقَهَاءُ لَيْسَ بِأُجْرَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ حَقٌّ جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُمْ لِنَازِلِهِمْ وَمُنْتَابِهِمْ؛ وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَفْعَلُونَهُ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ، فَكَيْف تَجِبُ الْأُجْرَةُ لَهُمْ؛ وَهُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ، وَالْفَرْضِيَّةُ تَنْفِي الْأُجْرَةَ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ عَمَلًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَعَمَلِ الْخُلَفَاءِ وَالْقُضَاةِ وَالْمُفْتِينَ وَالسُّعَاةِ وَالْمُعَلِّمِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: مَنْ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِهَذَا كُلِّهِ؟: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: كَانَ الْأَيْتَامُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ عَلَى قِسْمَيْنِ: [الْأَوَّلُ]: يَتِيمٌ مَعْهُودٌ بِهِ، كَقَوْلِ سَعْدٍ: هُوَ ابْنُ أَخِي عَهِدَ إلَيَّ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute