الْأَحْكَامِ، وَأُمٌّ مِنْ أُمَّهَاتِ الْآيَاتِ: فَإِنَّ الْفَرَائِضَ عَظِيمَةُ الْقَدْرِ حَتَّى إنَّهَا ثُلُثُ الْعِلْمِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْعِلْمُ ثَلَاثٌ: آيَةٌ مُحْكَمَةٌ، أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ، أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ».
وَكَانَ جُلَّ عِلْمِ الصَّحَابَةِ وَعُظْمَ مُنَاظَرَتِهِمْ، وَلَكِنَّ الْخُلُقَ ضَيَّعُوهُ، وَانْتَقِلُوا مِنْهُ إلَى الْإِجَارَاتِ وَالسَّلَمِ وَالْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ وَالتَّدْلِيسِ، إمَّا لِدِينٍ نَاقِصٍ، أَوْ عِلْمٍ قَاصِرٍ، أَوْ غَرَضٍ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا ظَاهِرٍ {وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} [القصص: ٦٩] وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ فَضْلِ الْفَرَائِضِ وَالْكَلَامِ عَلَيْهَا إلَّا أَنَّهَا تَبْهَت مُنْكَرِي الْقِيَاسِ وَتُخْزِي مُبْطِلِي النَّظَرِ فِي إلْحَاقِ النَّظِيرِ بِالنَّظِيرِ، فَإِنَّ عَامَّةَ مَسَائِلِهَا إنَّمَا هِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى ذَلِكَ؛ إذْ النُّصُوصُ لَمْ تُسْتَوْفَ فِيهَا، وَلَا أَحَاطَتْ بِنَوَازِلِهَا، وَسَتَرَى ذَلِكَ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَدْ رَوَى مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ الْفَرَائِضَ وَالْحَجَّ وَالطَّلَاقَ فَبِمَ يَفْضُلُ أَهْلُ الْبَادِيَةِ؟ وَقَالَ وَهْبٌ عَنْ مَالِكٍ: كُنْت أَسْمَعُ رَبِيعَةَ يَقُولُ: مَنْ تَعَلَّمَ الْفَرَائِضَ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِهَا مِنْ الْقُرْآنِ مَا أَسْرَعَ مَا يَنْسَاهَا. قَالَ مَالِكٌ: وَصَدَقَ.
وَقَدْ أَطَلْنَا فِيهَا النَّفَسَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ؛ فَأَمَّا الْآنَ فَإِنَّا نُشِيرُ إلَى نُكَتٍ تَتَعَلَّقُ بِأَلْفَاظِ الْكِتَابِ، وَفِيهَا سِتَّ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي الْمُخَاطَبِ بِهَا، وَعَلَى مَنْ يَعُودُ الضَّمِيرُ؟: وَبَيَانُهُ أَنَّ الْخِطَابَ عَامٌّ فِي الْمَوْتَى الْمَوْرُوثِينَ، وَالْخُلَفَاءِ الْحَاكِمِينَ، وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ؛ أَمَّا تَنَاوُلُهَا لِلْمَوْتَى فَلْيَعْلَمُوا الْمُسْتَحَقِّينَ لِمِيرَاثِهِمْ بَعْدَهُمْ فَلَا يُخَالِفُوهُ بِعَقْدٍ وَلَا عَهْدٍ؛ وَفِي ذَلِكَ آثَارٌ كَثِيرَةٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّهَاتُهَا ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: حَدِيثُ سَعْدٍ فِي الصَّحِيحِ: «عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي مَرَضٍ اشْتَدَّ بِي، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَةٌ لِي؛ أَفَأَتَصَدَّقُ بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لَا. قُلْت: فَالثُّلُثَانِ؟ قَالَ: لَا. قُلْت: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute