الصَّحَابَةَ الْعَرَبَ الْقُرَشِيِّينَ الَّذِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بُلْغَتِهِمْ أَعْرَفُ مِنْ غَيْرِهِمْ بِمَقْطَعِ الْمَقْصُودِ مِنْهُمْ؛ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَخُصُوصًا عَلِيًّا مَعَ مِقْدَارِهِ فِي الْعِلْمَيْنِ، وَلَوْ لَمْ يُسْمَعْ ذَلِكَ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لَكَانَ فَصَاحَتُهَا بِالْأَعْجَمِيَّةِ، فَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُحَاوَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ هَذَا الْقَصْدِ. وَالْمَأْخَذُ فِيهِ يَرْجِعُ إلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ الْوَصْفُ إلَى الرَّبَائِبِ خَاصَّةً.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهَا جَمِيعًا؛ فَيُرَدُّ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ عَلَى التَّحْلِيلِ فِي الْفُرُوجِ، وَهَكَذَا هُوَ مَقْطُوعُ السَّلَفِ فِيهَا عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ بِالتَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ عَلَيْهَا.
الثَّانِي: رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ أُمِّهَا، وَأَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ ابْنَتِهَا، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلْيَنْكِحْهَا. وَهَذَا إنْ صَحَّ حُجَّةٌ ظَاهِرَةٌ، لَكِنَّ رِوَايَةَ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ تَضْعُفُ.
الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: {مِنْ نِسَائِكُمُ} [النساء: ٢٣] لَفْظَةٌ عَرَبِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَالْوَاحِدُ مِنْهُ امْرَأَةٌ. وَقَوْلُكَ: امْرُؤٌ وَامْرَأَةٌ، كَقَوْلِكَ: آدَمِيٌّ وَآدَمِيَّةٌ، فَقَوْلُهُ: وَامْرَأَتُكَ كَقَوْلِهِ: وَآدَمِيَّتُكَ، فَأُضِيفَتْ إلَيْكَ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْبَحْثِ عَنْ وَجْهِ هَذِهِ الْإِضَافَةِ؛ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الَّتِي تُشْبِهُكَ أَوْ تُجَاوِرُكَ أَوْ تَمْلِكُهَا أَوْ تَمْلِكُكَ، أَوْ تَحِلُّ لَهَا أَوْ تَحِلُّ لَكَ. وَالْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى الشَّبَهِ وَالْجُوَارِ مُحَالٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَسَّمْت مَا قَسَّمْت لَمْ تَجِدْ وَجْهًا إلَّا بَابَ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ وَلَهُ مَسَاقُ الْآيَةِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْبَيَانِ؛ فَإِذَا حَلَّتْ لَهُ أَوْ مَلَكَهَا فَقَدْ تَحَقَّقَتْ الْإِضَافَةُ الْمَقْصُودَةُ فَوَجَبَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَكَذَلِكَ كُنَّا نَقُولُ فِي الرَّبَائِبِ، لَوْلَا التَّقْيِيدُ بِشَرْطِ الدُّخُولِ. فَإِنْ قِيلَ: فَاحْمِلُوا الْأُمَّهَاتِ عَلَى الْبَنَاتِ. قُلْنَا: لَوْ كُنَّا نَطْلُبُ الرُّخَصَ لَفَعَلْنَا، وَلَكِنْ إذَا تَعَارَضَ الدَّلِيلُ فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ فِي الْفُرُوجِ غَلَّبْنَا التَّحْرِيمَ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ عَلِيٌّ فِي الْأُخْتَيْنِ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ لَمَّا تَعَارَضَ فِيهِمَا التَّحْلِيلُ وَالتَّحْرِيمُ غُلِّبَ التَّحْرِيمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute