الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْمَوْلَى الْمُنْعِمُ بِالْعِتْقِ فِي حُكْمِ الْقَرِيبِ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لِلْوَلَاءِ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ». وَلَيْسَ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ نَسِيبًا وَلَا وَارِثًا؛ وَإِنَّمَا ثَبَتَ حُكْمُ النَّسَبِ مِنْ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ، فَكَأَنَّ الْوَلَاءَ أُبُوَّةٌ لِأَنَّهُ أَوْجَدَهُ بِالْعِتْقِ حُكْمًا، كَمَا أَوْجَدَ الْأَبُ ابْنَهُ بِالِاكْتِسَابِ لِلْوَطْءِ حِسًّا.
قَالَ طَاوُسٌ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: هُوَ وَارِثٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَ النَّسَبِ إذَا ثَبَتَ مِنْ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ وَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ مِنْ الْأُخْرَى، لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ». وَاسْتَهَانَ الْعُلَمَاءُ بِهَذَا الْكَلَامِ، وَهِيَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ، وَقَدْ أَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّ الْمِيرَاثَ إنَّمَا هُوَ فِي مُقَابَلَةِ الْإِنْعَامِ بِالْعِتْقِ؛ وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَهُ لُحْمَةً كَلُحْمَةِ النَّسَبِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْإِنْعَامَ بِالْعِتْقِ لَا مُقَابِلَ لَهُ إلَّا الْعِتْقُ مِنْ النَّارِ حَسْبَمَا قَابَلَهُ [بِهِ] النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَالَ: «أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ». وَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ عِنْدِي مُتَعَلَّقٌ إلَّا الْإِجْمَاعُ السَّابِقُ لِطَاوُسٍ فِيهِ وَلِمَنْ قَالَهُ بَعْدَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute