للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَظَائِفِ الَّتِي كَلَّفَهَا إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَمَّا كَانَ تَكْلِيفُهَا بِالْكَلَامِ سُمِّيَتْ بِهِ، كَمَا يُسَمَّى عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَلِمَةً؛ لِأَنَّهُ صَدَرَ عَنْ الْكَلِمَةِ، وَهِيَ: كُنْ، وَتَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِمُقَدِّمَتِهِ أَحَدُ قِسْمِي الْمَجَازِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: مَا تِلْكَ الْكَلِمَاتُ؟ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا، لُبَابُهُ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا شَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ، فَأَكْمَلَهَا إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَمَا قَامَ أَحَدٌ بِوَظَائِفِ الدِّينِ مِثْلُهُ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَبْلَهُ؛ فَقَدْ قَامَ بِهَا بَعْدَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، وَخُصُوصًا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِمْ.

الثَّانِي: أَنَّهَا الْفِطْرَةُ الَّتِي أَوْعَزَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا إلَيْهِ، وَرَتَّبَهَا عَلَيْهِ، وَرَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ وَالسِّوَاكُ وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ وَقَصُّ الْأَظْفَارِ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ».

وَرَوَى عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ الْحَدِيثَ، وَقَالَ: «الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ»، وَزَادَ: «الْخِتَانُ»، وَذَكَرَ «الِانْتِضَاحُ» بَدَلَ «انْتِقَاصُ الْمَاءِ».

وَقَدْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: إنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ هُنَا: «مِنْ الْفِطْرَةِ» يَعْنِي مِنْ السُّنَّةِ، وَأَنَا أَقُولُ: إنَّهَا مِنْ الْمِلَّةِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ اُبْتُلِيَ بِهَا فَرْضًا، وَهِيَ لَنَا سُنَّةٌ، وَاَلَّذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>