للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْآيَةِ أَنَّهُ فِيمَا عَمَّ الزَّوْجَيْنِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ بَلْ هُوَ نَصُّهُ، وَهِيَ مِنْ أَبْيَنِ آيَاتِ الْقُرْآنِ وَأَوْضَحِهَا جَلَاءً؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: ٣٤]. وَمَنْ خَافَ مِنْ امْرَأَتِهِ نُشُوزًا وَعَظَهَا؛ فَإِنْ أَنَابَتْ وَإِلَّا هَجَرَهَا فِي الْمَضْجَعِ؛ فَإِنْ ارْعَوَتْ وَإِلَّا ضَرَبَهَا، فَإِنْ اسْتَمَرَّتْ فِي غُلَوَائِهَا مَشَى الْحَكَمَانِ إلَيْهِمَا؛ وَهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ نَصًّا، وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ بَيَانٌ.

وَدَعْهُ لَا يَكُونُ نَصًّا يَكُونُ ظَاهِرًا، فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ الشَّافِعِيُّ يُشْبِهُ الظَّاهِرَ فَلَا نَدْرِي مَا الَّذِي يُشْبِهُ الظَّاهِرَ؟ وَكَيْفَ يَقُولُ اللَّهُ: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: ٣٥]؛ فَنَصَّ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَيَقُولُ هُوَ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا عَمَّهُمَا وَأَذِنَ فِي خَوْفِهِمَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ بِالْخُلْعِ، وَذَلِكَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ بِرِضَا الْمَرْأَةِ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، وَهُوَ نَصُّهُ.

ثُمَّ قَالَ: فَلَمَّا أَمَرَ بِالْحَكَمَيْنِ عَلِمْنَا أَنَّ حُكْمَهُمَا غَيْرُ حُكْمِ الْأَزْوَاجِ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَهُ بِأَنْ يَنْفُذَ عَلَيْهِمَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمَا، فَتَتَحَقَّقُ الْغَيْرِيَّةُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَا يَبْعَثُ الْحَكَمَيْنِ إلَّا مَأْمُونَيْنِ فَصَحِيحٌ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: بِرِضَا الزَّوْجَيْنِ بِتَوْكِيلِهِمَا فَخَطَأٌ صُرَاحٌ؛ فَإِنَّ اللَّهَ خَاطَبَ غَيْرَ الزَّوْجَيْنِ إذَا خَافَا الشِّقَاقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِإِرْسَالِ الْحَكَمَيْنِ، وَإِذَا كَانَ الْمُخَاطَبُ غَيْرَهُمَا فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ بِتَوْكِيلِهِمَا، وَلَا يَصِحُّ لَهُمَا حُكْمٌ إلَّا بِمَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ، وَالتَّوْكِيلُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ لَا يَكُونُ إلَّا فِيمَا يُخَالِفُ الْآخَرَ، وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ هَاهُنَا.

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: {وَإِنْ خِفْتُمْ} [النساء: ٣٥]: قَالَ السُّدِّيُّ: يُخَاطِبُ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ إذَا ضَرَبَهَا فَشَاقَّتْهُ، تَقُولُ الْمَرْأَةُ لِحَكَمِهَا: قَدْ وَلَّيْتُكَ أَمْرِي وَحَالِي كَذَا؛ وَيَبْعَثُ الرَّجُلُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَيَقُولُ لَهُ: حَالِي كَذَا؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمَالَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْمُخَاطَبُ السُّلْطَانُ، وَلَمْ يَنْتَهِ رَفْعُ أَمْرِهِمَا إلَى السُّلْطَانِ، فَأَرْسَلَ الْحَكَمَيْنِ. وَقَالَ مَالِكٌ: قَدْ يَكُونُ السُّلْطَانَ، وَقَدْ يَكُونُ الْوَلِيَّيْنِ إذَا كَانَ الزَّوْجَانِ مَحْجُورَيْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>