الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي تَنْقِيحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: قَالَ بَعْضُ عُلَمَاؤُنَا: رَوَى طَلْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا عَلَّمَ السَّائِلَ مَعَالِمَ الدِّينِ وَأَرْكَانِ الْإِسْلَامِ قَالَ لَهُ: وَالزَّكَاةُ؟ قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا، إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ». وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ. دَخَلَ الْجَنَّةَ إنْ صَدَقَ». وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ حَقٍّ فِي الْمَالِ غَيْرَ الزَّكَاةِ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْحَدِيثِ لَا فَرْضَ ابْتِدَاءً فِي الْمَالِ وَالْبَدَنِ إلَّا الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالصِّيَامَ، فَأَمَّا الْعَوَارِضُ فَقَدْ يَتَوَجَّهُ فِيهَا فَرْضٌ مِنْ جِنْسِ هَذِهِ الْفُرُوضِ بِالنَّذْرِ وَغَيْرِهِ. الثَّانِي: أَنَّ أَرْكَانَ الْإِسْلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ عِبَادَاتٌ لَا تَتَعَدَّى الْمُتَعَبِّدَ بِهَا. وَأَمَّا الْمَالُ فَالْأَغْرَاضُ بِهِ مُتَعَلِّقَةٌ، وَالْعَوَارِضُ عَلَيْهِ مُخْتَلِفَةٌ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا فَرَضَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الزَّكَاةَ لِيَقُومَ بِحَقِّ الْفُقَرَاءِ أَوْ يَسُدَّ خَلَّتَهُمْ، وَإِلَّا فَتَكُونُ الْحِكْمَةُ قَاصِرَةً. فَالْجَوَابُ أَنْ نَقُولَ: هَذَا لَا يَلْزَمُ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ مِنْ الْمُمْكِنِ أَنْ يَفْرِضَ الْبَارِّي سُبْحَانَهُ الزَّكَاةَ قَائِمَةً لِسَدِّ خَلَّةِ الْفُقَرَاءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَرْضُهَا قَائِمَةً بِالْأَكْثَرِ، وَتَرَكَ الْأَقَلَّ لِيَسُدَّهَا بِنَذْرِ الْعَبْدِ الَّذِي يَسُوقُهُ الْقَدَرُ إلَيْهِ.
الثَّانِي: أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَخَذَ الزَّكَاةَ فِي زَمَنِهِ» فَلَمْ تَقُمْ الْخَلَّةُ الْمَذْكُورَةُ بِالْفُقَرَاءِ حَتَّى كَانَ يَنْدُبَ إلَى الصَّدَقَةِ، وَيَحُثُّ عَلَيْهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute