للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهَا مَسْأَلَتَانِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: ظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ الْقِتَالَ فَرْضٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلًا وَحْدَهُ، وَنَدَبَ الْمُؤْمِنِينَ إلَيْهِ؛ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ؛ وَلَكِنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا سِرَاعًا إلَى الْقِتَالِ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ الْقِتَالُ، فَلَمَّا أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالْقِتَالِ كَاعَ عَنْهُ قَوْمٌ، فَفِيهِمْ نَزَلَتْ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [النساء: ٧٧] قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ الْقِتَالُ؛ {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} [النساء: ٧٧]، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ: قَدْ بَلَّغْت: قَاتِلْ وَحْدَكَ، {لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: ٨٤] فَسَيَكُونُ مِنْهُمْ مَا كَتَبَ اللَّهُ مِنْ فِعْلِهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ كَانَ وَعَدَهُ بِالنَّصْرِ، فَلَوْ لَمْ يُقَاتِلْ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْ الْخَلْقِ لَنَصَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ دُونَهُمْ، وَهَلْ نَصْرُهُ مَعَ قِتَالِهِمْ إلَّا بِجُنْدِهِ الَّذِي لَا يُهْزَمُ.

وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنِي أَنْ أُحَرِّقَ قُرَيْشًا. قُلْت: أَيْ رَبِّ؛ إذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَدَعُوهُ خُبْزَةً. قَالَ: اسْتَخْرِجْهُمْ كَمَا اسْتَخْرَجُوكَ، وَاغْزُهُمْ نُعِنْكَ، وَأَنْفِقْ فَسَنُنْفِقْ عَلَيْكَ، وَابْعَثْ جَيْشًا نَبْعَثْ خَمْسَةً مِثْلَهُ، وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ». وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِي الرِّدَّةِ: أُقَاتِلُهُمْ وَحْدِي حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي. وَفِي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ: وَاَللَّهِ لَوْ خَالَفَتْنِي شِمَالِي لَقَاتَلْتهَا بِيَمِينِي.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: ٨٤] أَيْ عَلَى الْقِتَالِ: التَّحْرِيضُ وَالتَّحْضِيضُ هُوَ نَدْبُ الْمَرْءِ إلَى الْفِعْلِ، وَقَدْ يُنْدَبُ الْمَرْءُ إلَى الْفِعْلِ ابْتِدَاءً، وَقَدْ يُنْدَبُ إلَى امْتِثَالِ مَا أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ تَذْكِرَةً بِهِ لَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>