وَغَسْلُ آنِيَةِ الْمَجُوسِ فَرْضٌ، وَغَسْلُ آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَضْلٌ وَنَدْبٌ؛ فَإِنَّ أَكْلَ مَا فِي آنِيَتِهِمْ يُبِيحُ الْأَكْلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهَا.
وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ " أَنَّ عُمَرَ تَوَضَّأَ مِنْ جَرَّةِ نَصْرَانِيَّةٍ "، وَصَحَّحَهُ وَأَدْخَلَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّرَاجِمِ. وَرُبَّمَا ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ أَكْلَ طَعَامِهِمْ رُخْصَةٌ، فَإِذَا احْتَجْت إلَى آنِيَتِهِمْ فَغَسْلُهَا عَزِيمَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضِعٍ لِلرُّخْصَةِ. قُلْنَا: رُخْصَةُ أَكْلِ طَعَامِهِمْ حِلٌّ تَأَصَّلَ فِي الشَّرِيعَةِ وَاسْتَقَرَّ، فَلَا يَقِفُ عَلَى مَوْضِعِهِ؛ بَلْ يَسْتَرْسِلُ عَلَى مَحَالِّهِ كُلِّهَا، كَسَائِرِ الْأُصُولِ فِي الشَّرِيعَةِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ ذَبَائِحُهُمْ، وَقَدْ أَذِنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي طَعَامِهِمْ: قَالَ لِي شَيْخُنَا الْإِمَامُ الزَّاهِدُ أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ بْنُ إبْرَاهِيمَ النَّابُلُسِيُّ فِي ذَلِكَ كَلَامًا كَثِيرًا، لُبَابُهُ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ أَذِنَ فِي طَعَامِهِمْ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ غَيْرَهُ عَلَى ذَبَائِحِهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا تَمَسَّكُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَعَلَقُوا بِذَيْلِ نَبِيٍّ جُعِلَتْ لَهُمْ حُرْمَةً عَلَى أَهْلِ الْأَنْصَابِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: " تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ الْمُطْلَقَةُ إلَّا مَا ذَبَحُوا يَوْمَ عِيدِهِمْ أَوْ لِأَنْصَابِهِمْ ".
وَقَالَ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ: تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ وَإِنْ ذَكَرُوا عَلَيْهَا اسْمَ غَيْرِ الْمَسِيحِ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ نَذْكُرُ لَكُمْ مِنْهَا قَوْلًا بَدِيعًا: وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حَرَّمَ مَا لَمْ يُسَمَّ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ الذَّبَائِحِ، وَأَذِنَ فِي طَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَهُمْ يَقُولُونَ: [إنَّ] اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، وَإِنَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ. تَعَالَى اللَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute