الْكَلَامِ تَقَدُّمَ الْفِعْلَ، وَهُوَ فِيهِ أَوْجَبُ، وَإِنَّمَا قُلْت زَيْدًا ضَرَبَهُ، وَاضْرِبْهُ مَشْغُولُهُ، لِأَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ لَا يَكُونَانِ إلَّا بِالْفِعْلِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِضْمَارِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ. قَالَ الْقَاضِي: أَصْلُ الْبَابِ قَدْ أَحْكَمْنَاهُ فِي الْمُلْجِئَةِ، وَنُخْبِتُهُ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ فَاعِلٍ وَمَفْعُولِ، فَإِذَا أَخْبَرْت بِهِمْ أَوْ عَنْهُمْ خَبَرًا غَرِيبًا كَانَ عَلَى سِتِّ صِيَغٍ:
الْأُولَى: ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا.
الثَّانِيَةُ: زَيْدٌ ضَرَبَ عَمْرًا.
الثَّالِثَةُ: عَمْرًا ضَرَبَ زَيْدٌ.
الرَّابِعَةُ: ضَرَبَ عَمْرًا زَيْدٌ.
الْخَامِسَةُ: زَيْدٌ عَمْرًا ضَرَبَ.
السَّادِسَةُ: عَمْرًا زَيْدٌ ضَرَبَ. فَالْخَامِسَةُ وَالسَّادِسَةُ نَظْمٌ مُهْمَلٌ لَا مَعْنَى لَهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَجَاءَ مِنْ هَذَا جَوَازُ تَقْدِيمِ الْمَفْعُولِ، كَمَا جَازَ تَقَدُّمُ الْفَاعِلِ، بَيْدَ أَنَّهُ إذَا قَدَّمْت الْمَفْعُولَ بَقِيَ بِحَالِهِ إعْرَابًا، فَإِذَا قَدَّمْت الْفَاعِلَ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِّ فِي الْإِعْرَابِ، وَبَقِيَ الْمَعْنَى الْمُخْبَرُ عَنْهُ، وَحَدَثَ فِي تَرْتِيبِ الْخَبَرِ مَا أَوْجَبَ تَغْيِيرَ الْإِعْرَابِ، وَهُوَ الْمَعْنَى الَّذِي يُسَمَّى الِابْتِدَاءُ، ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَى هَذَا الْبَابِ الْأَدَوَاتُ الَّتِي وُضِعَتْ لِتَرْتِيبِ الْمَعَانِي وَهِيَ كَثِيرَةٌ أَوْ الْمَقَاصِدِ وَهِيَ أَصْلٌ فِي التَّغْيِيرِ، وَمِنْهَا وَضْعُ الْأَمْرِ مَوْضِعَ الْخَبَرِ، تَقُولُ: اضْرِبْ زَيْدًا. وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ اسْتِدْعَاءَ إيقَاعِ الْفِعْلِ بِالْمَفْعُولِ، وَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ هُنَالِكَ فَاعِلٌ سَقَطَ فِي إسْنَادِ الْفِعْلِ، وَثَبَتَ فِي تَعَلُّقِ الْخِطَابِ بِهِ وَارْتِبَاطِهِ، وَتَكُونُ لَهُ صِيغَتَانِ: إحْدَاهُمَا هَذِهِ.
وَالثَّانِيَةُ: زَيْدًا اضْرِبْ، كَمَا كَانَ فِي الْخَبَرِ؛ وَلَا يُتَصَوَّرُ صِيغَةٌ ثَالِثَةٌ، فَلَمَّا جَازَ تَقْدِيمُهُ مَفْعُولًا كَانَ ظَاهِرُ أَمْرِهُ أَلَّا يَأْتِيَ إلَّا مَنْصُوبًا عَلَى حُكْمِ تَقْدِيرِ الْمَفْعُولِ، وَلَكِنْ رَفَعُوهُ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ بَعْدُ، وَإِنَّمَا يُطْلَبُ وُقُوعُهُ بِهِ فَيُخْبِرُ عَنْهُ، ثُمَّ يَقْتَضِي الْفِعْلَ فِيهِ، فَإِنْ اقْتَضَى وَلَمْ يُخْبِرْ لَمْ يَكُنْ إلَّا مَنْصُوبًا، وَإِنْ أَخْبَرَ وَلَمْ يَقْتَضِ لَمْ يَكُنْ إلَّا مَرْفُوعًا، فَهُمَا إعْرَابَانِ لِمَعْنَيَيْنِ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَقْوَى مِنْ الْآخَرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute