وَالْمُتَعَلِّقُ الْخَامِسُ: فِي يَمِينِ الْغَضَبِ مَوْضِعُ فِتْنَةٍ؛ فَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَقُولُ: يَمِينُ الْغَضَبِ لَا يَلْزَمُ، وَيَنْظُرُ فِي ذَلِكَ إلَى حَدِيثٍ يُرْوَى: «لَا يَمِينَ فِي إغْلَاقٍ»، وَهَذَا لَمْ يَصِحَّ، وَالْإِغْلَاقُ: الْإِكْرَاهُ؛ لِأَنَّهُ تُغْلِقُ الْأَبْوَابَ عَلَى الْمُكْرَهِ وَتَرُدُّهُ إلَى مَقْصِدِهِ، وَقَدْ «حَلَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَاضِبًا أَلَّا يَحْمِلَ الْأَشْعَرِيِّينَ وَحَمَلَهُمْ، وَقَالَ: وَاَللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ إنِّي لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا أَتَيْت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْت عَنْ يَمِينِي». وَهَذَا بَيِّنٌ ظَاهِرٌ جِدًّا.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ قَوْلُ الرَّجُلِ: لَا وَاَللَّهِ، وَبَلَى وَاَللَّهِ. فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: نَزَلَتْ: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: ٨٩] فِي قَوْلِ الرَّجُلِ: لَا وَاَللَّهِ، وَبَلَى وَاَللَّهِ. قُلْنَا: هَذَا صَحِيحٌ، وَمَعْنَاهُ إذَا أَكْثَرَ الرَّجُلُ فِي يَمِينِهِ مِنْ قَوْلِ: لَا وَاَللَّهِ، وَبَلَى وَاَللَّهِ، عَلَى أَشْيَاءَ يَظُنُّهَا كَمَا قَالَ، فَتَخْرُجُ بِخِلَافِهِ. أَوْ عَلَى حَقِيقَةٍ، فَهِيَ تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: قِسْمًا يُظَنُّ وَقِسْمًا يُعْقَدُ، فَلَا يُؤَاخَذُ مِنْهَا فِيمَا وَقَعَ عَلَى ظَنٍّ، وَيُؤَاخَذُ فِيمَا عَقَّدَ، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَظُنَّ أَحَدٌ أَنَّ قَوْلَهُ: لَا وَاَللَّهِ، وَبَلَى وَاَللَّهِ، فِيمَا يَعْتَقِدُهُ وَيُعَقِّدُهُ أَنَّهُ لَغْوٌ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ الِاسْتِرْسَالِ فِيهِ وَالتَّهَافُتِ بِهِ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ} [البقرة: ٢٢٤] فَنُهِيَ عَنْهَا وَلَا يُؤَاخَذُ إذَا فَعَلَهَا.
هَذَا لَعَمْرُ اللَّهِ هُوَ الْقَوْلُ اللَّغْوُ، وَهَذَا يُبَيِّنُ لَك أَنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَهُ مَالِكٌ، وَأَنَّهُ الْيَمِينُ عَلَى ظَنٍّ يَخْرُجُ بِخِلَافِهِ. فَإِنْ قِيلَ وَهِيَ:
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ فِي أَيِّ قِسْمٍ هِيَ؟: قُلْنَا هِيَ مَسْأَلَةٌ عُظْمَى وَدَاهِيَةٌ كُبْرَى تَكَلَّمَ فِيهَا الْعُلَمَاءُ، وَقَدْ أَفَضْنَا فِيهَا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute