الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} [المائدة: ١٠٠]: وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْخِطَابَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُرَادُ أُمَّتُهُ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُعْجِبُهُ الْكُفَّارُ وَلَا الْحَرَامُ، وَإِنَّمَا يُعْجِبُ ذَلِكَ النَّاسَ.
الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِعْجَابًا بِهِ لَهُ أَنَّهُ صَارَ عِنْدَهُ عَجَبًا مِمَّا يُشَاهِدُ مِنْ كَثْرَةِ الْكُفَّارِ، وَالْمَالِ الْحَرَامِ، وَقِلَّةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَقِلَّةِ الْمَالِ الْحَلَالِ. وَقَدْ سَبَقَ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمُهُ بِذَلِكَ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا آدَم، ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ فَيَقُولُ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ لِلنَّارِ وَوَاحِدٌ لِلْجَنَّةِ».
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فِي وَجْهِ عَدَمِ اسْتِوَائِهِ وَوُجُوبِ تَفَاوُتِهِ: إنَّ الْحَرَامَ يُؤْذِي فِي الدِّينِ، وَيَجِبُ فَسْخُهُ وَرَدُّهُ، وَالْحَلَالُ يَنْفَعُ وَيَجِبُ إمْضَاؤُهُ [وَيَصِحُّ تَنْفِيذُهُ]. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: ٢٨]. وَقَالَ: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: ٢١] وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: ٢٧٦]. فَلَا يُعْجِبَنَّكَ كَثْرَةُ الْمَالِ الرِّبَوِيِّ، وَنُقْصَانُ الْمَالِ بِصَدَقَتِهِ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَمْحَقُ ذَلِكَ الْكَثِيرَ فِي الْعَاقِبَةِ، وَيُنَمِّي الْمَالَ الزَّكَاتِيَّ بِالصَّدَقَةِ؛ وَبِهَذَا احْتَجَّ مِنْ عُلَمَائِنَا مَنْ رَأَى أَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ يُفْسَخُ، وَلَا يُمْضَى بِحَوَالَةِ سُوقٍ، وَلَا بِتَغَيُّرِ بَدَنٍ؛ فَيَسْتَوِي فِي إمْضَائِهِ مَعَ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ؛ بَلْ يُفْسَخُ أَبَدًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute