للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ رَبَطَ آخِرَ الْآيَةِ بِأَوَّلِهَا، وَجَعَلَ بَيَانَهَا عِنْدَ تَمَامِهَا، فَقَالَ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى} [البقرة: ١٧٨] فَإِذَا نَقَصَ الْعَبْدُ عَنْ الْحُرِّ بِالرِّقِّ، وَهُوَ مِنْ آثَارِ الْكُفْرِ فَأَحْرَى وَأَوْلَى أَنْ يَنْقُصَ عَنْهُ الْكَافِرُ.

الثَّالِثُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ١٧٨]؛ وَلَا مُؤَاخَاةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ؛ فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ دُخُولِهِ فِي هَذَا الْقَوْلِ.

فَقَالَ الزَّوْزَنِيُّ: بَلْ ذَلِكَ دَلِيلٌ صَحِيحٌ، وَمَا اعْتَرَضْت بِهِ لَا يَلْزَمُنِي مِنْهُ شَيْءٌ.

أَمَّا قَوْلُك: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ الْمُسَاوَاةَ فِي الْمُجَازَاةِ فَكَذَلِكَ أَقُولُ.

وَأَمَّا دَعْوَاك أَنَّ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ فِي الْقِصَاصِ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ فَغَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الْحُرْمَةِ الَّتِي تَكْفِي فِي الْقِصَاصِ، وَهِيَ حُرْمَةُ الدَّمِ الثَّابِتَةُ عَلَى التَّأْبِيدِ؛ فَإِنَّ الذِّمِّيَّ مَحْقُونُ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَالْمُسْلِمَ مَحْقُونُ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَكِلَاهُمَا قَدْ صَارَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَاَلَّذِي يُحَقِّقُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمَ يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِ الذِّمِّيِّ؛ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَالَ الذِّمِّيِّ قَدْ سَاوَى مَالَ الْمُسْلِمِ؛ فَدَلَّ عَلَى مُسَاوَاتِهِ لِدَمِهِ؛ إذْ الْمَالُ إنَّمَا يَحْرُمُ بِحُرْمَةِ مَالِكِهِ.

وَأَمَّا قَوْلُك: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَبَطَ آخِرَ الْآيَةِ بِأَوَّلِهَا فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ الْآيَةِ عَامٌّ وَآخِرُهَا خَاصٌّ، وَخُصُوصُ آخِرِهَا لَا يَمْنَعُ مِنْ عُمُومِ أَوَّلِهَا؛ بَلْ يَجْرِي كُلٌّ عَلَى حُكْمِهِ مِنْ عُمُومٍ أَوْ خُصُوصٍ.

وَأَمَّا قَوْلُك: إنَّ الْحُرَّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ، فَلَا أُسَلِّمُ بِهِ؛ بَلْ يُقْتَلُ بِهِ عِنْدِي قِصَاصًا، فَتَعَلَّقْت بِدَعْوَى لَا تَصِحُّ لَك.

وَأَمَّا قَوْلُك: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ يَعْنِي الْمُسْلِمَ، فَكَذَلِكَ أَقُولُ، وَلَكِنَّ هَذَا خُصُوصٌ فِي الْعَفْوِ؛ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ عُمُومِ وُرُودِ الْقِصَاصِ، فَإِنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ؛ فَعُمُومُ إحْدَاهُمَا لَا يَمْنَعُ مِنْ خُصُوصِ الْأُخْرَى، وَلَا خُصُوصَ هَذِهِ يُنَاقِضُ عُمُومَ

<<  <  ج: ص:  >  >>