فِيهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: " الْأَيْمَانُ " جَمْعُ يَمِينٍ، وَهُوَ لَوْ قَالَ: عَلَيَّ يَمِينٌ، وَحَنِثَ لَلَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ.
وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ يَمِينَانِ لَلَزِمَتْهُ كَفَّارَتَانِ إذَا حَنِثَ. وَالْأَيْمَانُ جَمْعُ يَمِينٍ فَيَلْزَمُهُ فِيهَا ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ.
وَكَانَ أَهْلُ الْقَيْرَوَانِ قَدْ اخْتَلَفُوا فِيهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا مَرْجِعُهُ إلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الطَّلَاقَ فِيهَا ثَلَاثٌ. وَالثَّانِي:
أَنَّ الطَّلَاقَ فِيهَا وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ.
وَقَدْ جَمَعْت فِي الْمَسْأَلَةِ رِسَالَةً إبَّانَ كُنْت بِإِفْرِيقِيَّةَ، وَقَدْ كَثُرَ السُّؤَالُ فِيهَا عَلَيَّ، فَاسْتَخَرْت اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى مُتَوَسِّطٍ مِنْ الْأَقْوَالِ لَمْ أَخْرُجْ فِيهِ عَنْ جَادَّةِ الْأَدِلَّةِ، وَلَا عَنْ أَصْلِ إمَامِ الْأَئِمَّةِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ.
أَمَّا أَصْلُ مَالِكٍ فَقَوْلُهُ فِيمَنْ قَالَ: عَلَيَّ أَشَدُّ مَا أَخَذَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: يُطَلِّقُ نِسَاءَهُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا فِي زَمَانِهِ، وَقَبْلَ ذَلِكَ، يَحْلِفُونَ فِي الْبَيْعَةِ وَيَتَوَثَّقُونَ فِيمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ الْعُهُودِ فِي الْمُحَالَفَةِ، وَيُدْخِلُونَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ الْيَمِينَ بِالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِهِ؛ فَلَمَّا سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ هَذِهِ النَّازِلَةِ وَأَصْحَابُهُ رَأَوْا أَنَّ الْحَرَجَ عَلَيْهِمْ فِي أَنْ يَتْرُكُوا مَعَهُ أَزْوَاجَهُ مُحْتَبَسِينَ فِي النِّكَاحِ، وَمِمَّا يَأْخُذُهُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ الطَّلَاقُ فَتَحَرَّجُوا فِي ذَلِكَ، وَقَالُوا: يُطَلِّقُ نِسَاءَهُ.
وَأَمَّا طَرِيقُ الْأَدِلَّةِ فَلِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لَا يَخْلُو أَنْ يُرَادَ بِهَا هَاهُنَا الْجِنْسُ أَوْ الْعَهْدُ، فَإِنْ دَخَلَتْ لِلْعَهْدِ فَالْمَعْهُودُ قَوْلُك بِاَللَّهِ، فَيَكُونُ مَا قَالَهُ الْفِهْرِيُّ. وَإِنْ دَخَلَتْ لِلْجِنْسِ فَالطَّلَاقُ جِنْسٌ، فَيَدْخُلُ فِيهَا وَلَا يُسْتَوْفَى عَدَدُهُ؛ فَإِنَّ الَّذِي يَكْفِي أَنْ يَدْخُلَ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ مَعْنًى وَاحِدٌ، فَإِنَّهُ لَوْ دَخَلَ فِي الْجِنْسِ الْمَعْنَى كُلُّهُ لَلَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ؛ إذْ قَدْ تَكُونُ الصَّدَقَةُ بِجَمِيعِ الْمَالِ يَمِينًا، وَنَافِذَةً فِيمَا إذَا كَانَ الْمَالُ مُعَيَّنًا فِي دَارٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ كَبْشٍ وَتَصَدَّقَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ إجْمَاعًا؛ فَتَبَصَّرْنَا ذَلِكَ، وَأَخَذْنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute